الخميس، 18 يناير 2018

الفصل الثاني: ثانيا الفرق اليهودية

الفصل الثاني: ثانيا: الفرق اليهودية:

يتوزع اتباع اليهودية منذ زمن بعيد في فرق تختلف في نظرتها ودرجة ايمانها بالعهد القديم  ومنها ما يختلف حول قبول الشريعة الشفوية التي يتم تدوينها في التلمود كما أنهم يختلفون فيما يخص موضوع القيامة واليوم الآخر .
والفرق اليهودية ليست على مستوى واحد من حيث مستوى الانتشار وعدد الاتباع، فمن هذه الفرق من بقي اتباعها بالمئات، ومنها من اتباعها بالملايين، ومنها من انقرضت ودخلت في ديانات سماوية أخرى أو ذاب أتباعها في فرق يهودية أخرى،وقد ظهرت الفرق اليهودية المعروفة بعد الرجوع من بابل، وأما الفرق الأكثر قدماً فلا تتوفر معلومات كافية عنها، ومن أبرز الفرق اليهودية التي ظهرت على مسرح الأحداث قديما ما يلي :

1 - الفريسيون:
كلمة (فريسيون) مأخوذة من الكلمة العبرية (بيروشيم)، أي (المنعزلون)، وكلمة فريسي بحد ذاتها كلمة آرامية ومعناها المنعزل، وكانوا يلقبون أيضاً بلقب (حفيريم) (الفاء تلفظv ) أي (الرفاق أو الأعضاء أو الأصدقاء)، والفريسيون هم إحدى الفئات الدينية اليهودية الرئيسية الثلاث التي كانت معروفة عند اليهود وحتى مجيء المسيح عليه السلام، وهذه الفئات الثلاث، هي : الصدوقيون، والأسينيون والفريسيون.
الفريسيون: أي المتشددون وهم رهبان لا يتزوجون.أصلها "فروشيم" أي المنفصلون، وقد تكرر اسمهم في الأناجيل الأربعة محاولين الوشاية بعيسى لقتله، ظهرت هذه الفرقة قبل نحو قرنين من ميلاد المسيح، وهم يشكّلون الآن غالبية اليهود، ويرجع أصل هذه الفرقة إلى فرقة حسيديم أي الزاهدين.
ظهرت في القرن الثالث أو الرابع قبل الميلاد . ويمكن أن نجمل عقيدة هذه الفرقة بما يلي : نزهت الله عن الجسم والصفات الجسمانية، واختارت حلاً وسطاً في الإرادة الإنسانية، واعتقدت بالبعث والعدل الإلهي، وأولت أهمية للصلاة وسائر العبادات، وآمنت بالتوراة الشفوية التي جمعت في التلمود 1.

2 - الغيورون (قنَّائيم)
كلمة (غيورون) ترجمة للفظة العبرية (قنَّائيم) أو (نِلهفيم)، والغيورون فرقة دينية يهودية، ويُقال إنه جناح متطرف من الفريسيين، وحزب سياسي، وتنظيم عسكري، وقد جاء أول ذكر لهم باعتبارهم أتباعاً ليهودا الجليلي في العام السادس قبل الميلاد، ويبدو أن واحداً من العلماء الفريسيين، ويُدعَى صادوق، قد أيده، ولكن يبدو أن أصولهم أقدم عهداً، إذ أنها تعود إلى التمرد الحشموني (186 ق.م).
ويذكر يوسيفوس شخصاً يُدعَى حزقيا باعتباره رئيس عصابة أعدمه هيرود، وحزقيا هذا هو أبو يهودا الجليلي الذي ترك من بعده شمعون ويعقوب ومناحم (لعله أخوه)، وقد تولَّى مناحم الجليلي، وهو زعيم عصبة الخناجر، قيادة التمرد اليهودي الأول ضد الرومان (66 – 70م)، وذلك بعد أن استولى على قلعة ماسادا وذبح حاميتها واستولى على الأسلحة، ثم عاد إلى القدس حيث تولَّى قيادة التمرد هو وعصبته الصغيرة، فأحرقوا مبنى سجلات الديون، وأحرقوا أيضاً قصور الأثرياء وقصر الكاهن الأعظم آنانياس ثم قاموا بقتله.
ويبدو كذلك أن عصابة مناحم كانت متطرفة ومستبدة في تعاملها مع الجماهير اليهودية، وقد كانت لدى مناحم ادعاءات مشيحانية عن نفسه، كما أنه جمع في يديه السلطات الدينية والدنيوية، ولذا قامت ثورة ضده انتهت بقتله هو وأعوانه، وهروب البقية إلى ماسادا.
وقد استمر نشاط الغيورين حتى سقوط القدس وهدم الهيكل عام 70 ميلادية، ولكن هناك من يرى أنهم اشتركوا أيضاً في التمرد اليهودي الثاني ضد هادريان (132 – 135م)، وكان الغيورون منقسمين فيما بينهم إلى فرق متطاحنة متصارعة، ومن قياداتهم الأخرى، يوحنان بن لاوي وشمعون برجيورا، ويُعَدُّ ظهور حزب الغيورين تعبيراً عن الانهيار الكامل الذي أصاب الحكومة الدينية وحكم الكهنة.
وقد قام الغيورون، تحت زعامة يهودا الجليلي، بحَثّ اليهود على رفض الخضوع لسلطان روما، وخصوصاً أن السلطات الرومانية كانت قد قررت إجراء إحصاء في فلسطين لتقدير الملكية وتحديد الضرائب، وقد تبعت حزب الغيورين، في ثورته، الجماهير اليهودية التي أفقرها حكم أثرياء اليهود بالتعاون مع اليونانيين والرومان.
ويتسم فكر الغيورين بأنه فكر شعبي مفعم بالأساطير الشعبية، ولذا نجد أن أسطورة الماشيَّح أساسية في فكرهم، بل إن كثيراً من زعمائهم ادعوا أنهم الماشيَّح المخلص، وقد قدموا رؤية للتاريخ قوامها أن هزيمة روما شرط أساسي للخلاص، وأن ثمة حرباً مستعرة بين جيوش يسرائيل وجيوش يأجوج ومأجوج (روما)، وأن اليهود مكتوب لهم النصر في الجولة الأخيرة، وعلى هذا، فإن فكرهم يتسم بالنزعة الأخروية التي انتشرت في فلسطين آنذاك، ويُقال إن معظم أدب الرؤى (أبوكاليبس) من أدب الغيورين.
ونظراً لجهل الغيورين بحقائق القوى الدولية وموازينها، وبمدى سلطان روما في ذلك الوقت، قاموا بثورة ضارية ضد الرومان واستولوا على القدس، وقد تعاونوا مع الفريسيين في هذه الثورة، ولكن الفريسيين كانوا مترددين بسبب انتماءاتهم، وحينما بدأت المقاومة المسلحة، استخدم الغيورون أسلوب حرب العصابات ضد روما، كما قاموا بخطف وقتل كل من تعاون مع روما، حتى أن الجماهير اليهودية ثارت ذات مرة ضدهم.
وقد قضى الرومان على ثورة الغيورين، واستسلمت القوات اليهودية، وكان آخرها القوات اليهودية في ماسادا بقيادة القائد الغيوري إليعازر بن جاير، وهي القوات التي آثرت الانتحار على الاستسلام، نظراً لأنها كانت قد ذبحت الحامية الرومانية بعد استسلامها لهم، وخشي قائد الغيورين أن يذبحهم القائد الروماني، على عكس القلاع الأخرى (مثل ماخايروس وهيروديام) التي استسلمت للرومان 2.

3 - الصدقيون:
مشهورون بالإنكار وينكرون البعث والحساب والجنة والنار، وينكرون التلمود والملائكة والمسيح المنتظر.
الصدوقيون مأخوذة من الكلمة العبرية (صِّدوقيم)، ويُقال لهم أحياناً (البوئيثيون)، وأصل الكلمة غير محدَّد، ومن المحتمل أن يكون أصل الكلمة اسم الكاهن الأعظم (صادوق) (في عهد سليمان عليه السلام) الذي توارث أحفاده مهمته حتى عام 162 ميلادية، والصدوقيون فرقة دينية وحزب سياسي تعود أصوله إلى قرون عدة سابقة على ظهور المسيح عليه السلام، وهم أعضاء القيادة الكهنوتية المرتبطة بالهيكل وشعائره، والمدافعون عن الحلولية اليهودية الوثنية، وكان الصدوقيون، بوصفهم طبقة كهنوتية مرتبطة بالهيكل، يعيشون على النذور التي يقدمها اليهود، وعلى بواكير المحاصيل، وعلى نصف الشيقل الذي كان على كل يهودي أن يرسله إلى الهيكل، الأمر الذي كان يدعم الثيوقراطية الدينية التي تتمثل في الطبقة الحاكمة والجيش والكهنة، وكانوا يحصلون على ضرائب الهيكل، كما كانوا يحصلون على ضرائب عينية وهدايا من الجماهير اليهودية، وقد حوَّلهم ذلك إلى أرستقراطية وراثية تؤلِّف كتلة قوية داخل السنهدرين.
كان الصدوقيون طبقة ارستقراطية عريضة الثراء عظيمة النفوذ السياسي والديني، وتمتاز بأنها مالت إلى الاعتقاد بجسمانية الله، كما وأنكرت الحياة الآخرة والحساب والجنة والنار . وأنكرت وجود الملائكة والشياطين، ورفضت غير التوراة المكتوبة . وتتحدث نصوص الأناجيل عما تعرض له السيد المسيح عليه السلام من مكائد وغدر الصدوقيين . ولم يبقَ لهذه الفرقة أثر بعد تدمير أورشليم عام 70 م.
يهوذا المكابي

4 - البناءون (بنائيم)
البناءون ترجمة لكلمة (بنائيم) العبرية، وهم فرقة يهودية صغيرة ظهرت في فلسطين في القرن الثاني الميلادي، ومعنى الكلمة غير معروف بصورة محددة، فيذهب بعض العلماء إلى أن الاسم مشتق من كلمة (بنا) بمعنى (يبني)، وأن أتباع هذه الفرقة علماء يكرسون جلّ وقتهم لدراسة تكوين العالم (كوزمولوجي)، ويذهب آخرون إلى أن (البنائيم) فرع من الأسينيين، ويذهب فريق ثالث إلى أن الاسم مشتق من كلمة يونانية بمعنى (حمام) أو (المستحمون)، ويذهب فريق رابع إلى أنهم أتباع الراهب الأسيني بانوس، ولعل ربط البنائيم بالأسينيين يرجع إلى اهتمامهم البالغ بشعائر الطهارة والحفاظ على نظافة ملابسهم.

5 - المعالجون (ثيرابيوتاي)
المعالجون ترجمة لكلمة (ثيرابيوتاي) المأخوذة من الكلمة اليونانية (ثيرابي) أي (العلاج)، وتعني (المعالجون)، والمعالجون (ثيرابيوتاي) فرقة من الزهاد اليهود تشبه الأسينيين، استقرت على شواطئ بحيرة مريوط قرب الإسكندرية في القرن الأول الميلادي، ويشبه أسلوب حياتهم أسلوب الأسينيين وإن كانوا أكثر تشدداً منهم، وقد كانت فرقة المعالجين تضم أشخاصاً من الجنسين، وأورد فيلون في كتابه كل ما يعرفه عنهم، فيذكر إفراطهم في الزهد وفي التأمل، وبحثهم الدائب عن المعنى الباطني للنصوص اليهودية المقدَّسة، كما يذكر فيلون أنهم كانوا يهتمون بدراسة الأرقام ومضمونها الرمزي والروحي، كما كانوا يقضون يومهم كله في العبادة والدراسة والتدريب على الشعائر، أما الوفاء بحاجة الجسد، فلم يكن يتم إلا في الظلام (وهو ما قد يوحي بأصول غنوصية).
يهود المغرب..

6 - المغارية
فرقة يهودية ظهرت في القرن الأول الميلادي حسبما جاء في القرقشاني، وهذا الاسم مشتق من كلمة (مغارة) العربية، أي كهف، فالمغارية إذن هم سكان الكهوف أو المغارات، وهذه إشارة إلى أنهم كانوا يخزنون كتبهم في الكهوف للحفاظ عليها، ويبدو أنها فرقة غنوصية، إذ يذهب المغارية إلى أن الإله متسام إلى درجة أنه لا تربطه أية علاقة بالمادة (فهو يشبه الإله الخفي في المنظومة الغنوصية)، ولهذا فإن الإله لم يخلق العالم، وإنما خلقه ملاك ينوب عن الإله في هذا العالم، وقد كتب أتباع هذه الفرقة تفسيراتهم الخاصة للعهد القديم، وذهبوا إلى أن الشريعة والإشارات الإنسانية إلى الإله، إنما هي إشارات لهذا الملاك الصانع، وقد قرن بعض العلماء المغارية بالأسينيين والثيرابيوتاي.
الكيان الصهيوني يرحّل يهود اليمن لفلسطين برعاية أمريكية

7 - عبدة الإله الواحد (هبسستريون)
(عبدة الإله الواحد) ترجمة للكلمة اليونانية (هبسستريون)، وهؤلاء فرقة شبه يهودية كانت تعبد الإله الواحد الأسمى (والاسم مشتق من كلمة يونانية لها هذا المعنى)، وقد كان أعضاء هذه الفرقة يعيشون على مضيق البسفور في القرن الأول الميلادي، وظلت قائمة حتى القرن الرابع، ومن الشعائر اليهودية التي حافظوا عليها شعائر السبت والطعام، وكانت عندهم شعائر وثنية مثل تعظيم النور والأرض والشمس، وخصوصاً النار، ومع هذا يُقال إن الأمر لم يصل بهم قط إلى درجة تقديس النار كما هو الحال مع المجوس.
8 - المتعصبون: فكرهم قريب من الفريسيين.
امتاز فريق المتعصبين بعدم التسامُح، بل بالعدوانية ضد المواطنين الذين اتُّهموا باللادينية، أو بقبول الخضوع لغير اليهود، ولم يَعترفوا بأي سلطان عليهم سوى سلطان الله، ومن ثم أعلنوا احتقارهم لجماعة الفريسيين الذين قبلوا الأمر الواقع وخضعوا للرومان، وكانت الحركات الثورية التي قام بها المتعصِّبون في مطلع القرن الميلادي الأول سببًا في الحدة بين اليهود والرومان؛ مما دفع بحركات اغتيالية واسعة،؛ لذلك سموا بـ (السفاكين)؛ ولذلك يعدُّ الباحثون هذا الفريق ضمن الفرق السياسية أو فرق العِصابات، مع أنهم بدؤوا حركتهم في إطار ديني.
نتنياهو يتصفح مخطوطة قديمة من التوراة جلبها يهود اليمن

9 - الكتبة أو النسّاخ:عرفوا الشريعة من خلال عملهم في النسخ والكتابة.تطلق هذه التسمية على مجموعة من اليهود كانت مهنتهم كتابة الشريعة لمن يطلبها؛ فهم أشبه بالنسَّاخ، وعن طريق صلتهم بكتابة الشريعة، عرضوا بعض المعلومات من الكتب التي نسخوها فاتخذوا الوعظ وظيفةً أخرى بجوار كتابة الشريعة لتصيُّد أموال الناس، وكانوا يُسمون أحيانًا بالحكماء، وقد برز الكتبة كحمَلة للواء الشريعة، عندما جذب النفوذ السياسي غيرهم من رجال الدين، فأصبح رجال الدين حلفاء للحكام الأجانب من فرس وإغريق ورومان وأخلوا المجال الديني للكتَبة، فاحتلوه.
مدرسة لاطفال اليهود - الموصل 1934

10 - القراؤون:
القرّاءون مصطلح يقابله في العبرية (قرائيم) أو (بني مقرّا)، أو (بعلي هامقرّا) أي (أهل الكتاب)، وقد ُسمِّي القرّاءون بهذا الاسم، لأنهم لا يؤمنون بالشريعة الشفوية (السماعية)، وإنما يؤمنون بالتوراة (المقرّا) فقط (ولذا يمكن القول بأنهم أتباع اليهودية التوراتية، مقابل اليهودية التلمودية أو الحاخامية)، والقرّاءون فرقة يهودية أسسها عنان بن داود في بابل بالعراق في القرن الثامن الميلادي وانتشرت أفكارها في كل أنحاء العالم.

ويُقال أنهم ظهروا عقب تدهور الفريسيين لا يعترفون إلا بالعهد القديم.هذه التسمية مشتقة من المصدر العبري قُرُأ ومعناه قرأ أو دعا .وهؤلاء لم يؤمنوا بغير المُقرا، ولذلك رفضت هذه الفرقة كل أدبيات اليهود وكتبهم بما فيها التلمود، وأخذت موقفاً سلبياً ومعارضاً للأحبار واتهموهم بأنهم الذين ألّفوا التلمود بقسميه .
وقد أسست هذه الفرقة بعد بزوغ الإسلام، أسسها عالم يهودي في عصر المنصور الدوانيقي، وصاحَبَ أبا حنيفة، وكان أكثر القرّائين في القرون الماضية يقيمون في ربوع العالم الإسلامي، وأما اليوم فيقطن أغلبهم بالإضافة إلى فلسطين في روسيا وأوكرانيا ودول أخرى .

11 -  السامريون: طائفة من المتهودين الذين دخلوا اليهودية  من غير بني إسرائيل، وقبلتهم إلى جبل يقال له غريزيم بين بيت المقدس ونابلس ولغتهم غير لغة اليهود )العبرانية(.
فرقة يهودية قليلة الاتباع لكنها لم تزل حية حتى يومنا هذا . تقوم عقيدتهم على الإقرار بوحدانية اللّه، ونبوءة موسى ، والإيمان بيوم الدينونة، ويتميزون عن باقي الفرق بأنهم لا يعترفون بغير الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم . وهذه الأسفار هي المنسوبة إلى موسى عليه السلام ، والتي تعرف مجتمعة باسم التوراة .
يعتقد السامريون أنهم الصفوة المتبقية من بني إسرائيل، وأنهم حماة التوراة، والعاملون بما جاءت به، وأنهم المختارون من اللَّه، وأنهم البقية من أولاد يعقوب عليه السلام . وهم يفترقون عن سائر اليهود في قضية أساسية هي موقع الهيكل واتجاه القبلة . ويقولون إن اللَّه تعالى أمر داود أن يبني بيت المقدس بجبل نابلس،وهو الطور الذي كلّم اللَّه عليه موسى عليه السلام فتحول داود إلى إيلياء وبنى البيت فيها، وخالف الأمر فظلم، والسامرة توجهوا إلى تلك القبلة دون سائر اليهود، ولغتهم غير لغة اليهود، وزعموا أن التوراة كانت بلسانهم وهي قريبة من العبرانية فنقلت إلى السريانية.

12 - الإسينيون : أو المتقون:
الاسم مشتق من اللفظ الآرامي (اسيا) بمعنى الطبيب أو المداوي، وسموا بهذا الاسم لأنهم كانوا يتعاطون طب الأرواح ويدعون إبراء المرضى بالصلوات والأوراد كما يدعون العلم بخصائص العقاقير، ويُقال أيضا أن الكلمة أصلها سرياني (هاسي)، كما يُقال إنها تعود إلى كلمة (هوسيوس) اليونانية، أي (المقدَّس)، ولعلها النطق اليوناني (أسيديم) للكلمة العبرية (حسيديم)، أي (الأتقياء)، ولعلها تصحيف للكلمة العبرية (حَاشائيم)، أي (الساكتين).
والأسينيون فرقة دينية يهودية لم يأت ذكرها في العهد الجديد، وما ذُكر عنها في كتابات فيلون ويوسيفوس متناقض، ولعل هذا يدل على وجود خلافات في صفوف الأسينيين أنفسهم الذين لم يزد عددهم عن أربعة آلاف، وكانوا يمارسون شعائرهم شمال غرب البحر الميت في الفترة ما بين القرنين الثاني قبل الميلاد والأول الميلادي.
هذه الفرقة ظهرت بين يهود فلسطين في القرن الثاني قبل الميلاد، وانقرضت بعد تدمير اورشليم شأنها في ذلك شأن الصدوقيين ومن الأسماء التي تطلق على أتباعها غير "الإسينيين" تسمية الأطهار .
ومن أهم ما تتميز به هذه الفرقة أنها تحرّم الملكية الفردية والزواج والاغتسال عدة مرات في اليوم، وإقامتهم كانت غالباً في مناطق نائية في المغاور والكهوف، ومعاشهم كان من الرعي والزراعة، وكانوا يمارسون كل صباح عادة الاغتسال بمياه الينابيع، ومع مجيء المسيح عليه السلام آمن الإسينيون به وبدعوته، لكنهم بعده رفضوا أن يعترفوا بدعوة بولس للمسيحية، وظلوا متمسكين بالنواميس اليهودية، وبعد تدمير الهيكل عرفوا باسم المسيحيين اليهود أو الأبيونيين .
يهود ليبيون في بنغازي 1920.

13 - العيسوية:
نسبةً إلى أبي عيسى إسحاق بن يعقوب الأصفهاني، وذُكر أن اسمه "عوفيد الوهيم"؛ أي: عابد الله، كان زمن المنصور، وابتدأ دعوته زمن مروان بن محمد، فاتبعه كثير من اليهود وادَّعوا له آيات ومعجزات، وزعموا أنه لما حورب خطَّ على أصحابه خطًّا بعود آس، وقال: أقيموا في هذا الخط، فليس ينالكم عدو، فكان العدو إذا بلغوا الخط رجعوا خوفًا من طلسم أو عزيمة، ومع هذا فقد قضى المنصور عليه وعلى أصحابه، وزعم أبو عيسى أنه نبي، وأنه رسول المسيح المنتظر، وأن للمسيح خمسة من الرسل يأتون قبله، كما زعم أن المسيح أعلى منزلة من الأنبياء جميعًا، ولأنه رسوله فهو أفضل الجميع أيضًا، وحرم في كتابه الذبائح كلها، ونهى عن أكل كل ذي روح، طيرًا كان أو بهيمة، وأوجب عشر صلوات ذكر أوقاتها، وخالف اليهود في كثير من أحكام الشريعة المذكورة في التوراة.
متشددين يهود يقتحمون المسجد الأقصى

14 - المعالجون "ثيرابيوتاي":
المعالجون ترجمة لكلمة: (ثيرابيوتاي) المأخوذة من الكلمة اليونانية (ثيرابي)؛ أي: (العلاج)، وتعني (المعالجين)، والمعالجون "ثيرابيوتاي" فرقة من الزهاد اليهود تُشبه الأسينيين، استقرت على شواطئ بحيرة مريوط قرب الإسكندرية في القرن الأول الميلادي، ويشبه أسلوب حياتهم أسلوب الأسينيين وإن كانوا أكثر تشدُّدًا منهم، وقد كانت فرقة المعالجين تضم أشخاصًا من الجنسين، وأورد فيلون في كتابه كل ما يَعرفه عنهم، فيذكر إفراطهم في الزهد وفي التأمل، وبحثهم الدائب عن المعنى الباطني للنصوص اليهودية المقدَّسة، كما يذكر فيلون أنهم كانوا يهتمون بدراسة الأرقام ومضمونها الرمزي والروحي، كما كانوا يقضون يومهم كله في العبادة والدراسة والتدريب على الشعائر، أما الوفاء بحاجة الجسد، فلم يكن يتم إلا في الظلام 3.

 (15) اليهود المعاصرون:
تشير الدراسات التاريخية إلى أن قلة من اليهود هم من سكان الأرض العربية تاريخياً وأما الأغلبية الباقية فهي إما أنها من يهود الخزر، أو يهود الاشكناز من التشكيل الحضاري الجرماني، أو سفارد ينتمون إلى التشكيل الحضاري اللاتيني . إن تعبير أشكناز عرف به يهود ألمانيا في القرون الوسطى خاصة في منطقة ماينز وفورمز على ضفاف نهر الراين . وتعبير سفارد ويقابله أحياناً تعبير يهود شرقيون فيشمل يهود أسبانيا في القرون الوسطى مع بعض يهود حوض البحر المتوسط .
ولكن ما يجب أن نعلمه هو أن يهود اليوم بنسبة 92 بالمائة هم من سلالة الخزر . يقول بنيامين فريدمان في هذا الأمر : إن من يزعمون أنفسهم يهوداً، المتحدرين تاريخياً من سلالة الخزر، يشكلون أكثر من 92 بالمائة من جميع من يسمون أنفسهم يهوداً في كل مكان من العالم اليوم . والخزر الذين أنشأوا مملكة الخزر في أوروبا الشرقية، أصبحوا يسمون أنفسهم يهوداً بالتحول والاعتناق سنة 720 م، وهؤلاء لم تطأ أقدام أجدادهم قط الأرض المقدسة في تاريخ العهد القديم 4.
ومحط الاهتمام ربما ينبع من أن تهود الخزر، كأكبر كتلة بشرية دخلت اليهودية في تاريخها كله وحتى يومنا هذا، هو عامل من عوامل هذا الاهتمام، عطفاً على أنها شكلت موقع جذب لليهود يومها كما يقول المسعودي : فأما اليهود فالملك وحاشيته والخزر من جنسه، وكان تهود ملك الخزر في خلافة هارون الرشيد، وقد انضاف إليه خلق من اليهود وردوا عليه من سائر أمصار المسلمين ومن بلاد الروم 5.
 ويقول آرثر كيستلر : على الأرجح في سنة 740 م اعتنق ملك الخزر وحاشيته والطبقة العسكرية الحاكمة الديانة اليهودية، وأصبحت اليهودية الدين الرسمي لدولة الخزر 6.
هذه الكتل البشرية المتهودة ليست سامية وفق أسطورتهم الواردة في سفر التكوين عن أولاد نوح، ولا هم من أصحاب الحق التاريخي المزعوم . إن معظم يهود اليوم في الولايات المتحدة الأميركية وفي عموم أوروبا الشرقية هم من أصل خزري . وبعد سقوط مملكة الخزر مع اطلالة القرن الحادي عشر الميلادي، توزع يهودها في أوروبا الشرقية، ومن هناك كانت هجرات اليهود إلى أميركا بعد اكتشافها في العصور الوسطى .
إن يهود اليوم في غالبيتهم المطلقة، هم من أصل خزري ومن أصل ألماني اشكناز وحتى السفارديين فيهم من كانوا غير عرب ولا ساميين بحكم إقامتهم في إسبانيا . وبهذا يسقط الادعاء اليهودي بسامية لا سند لها 7.

المراجع:
1- دروس في تاريخ الأديان، تأليف حسين توفيقي، نشر المركز العالمي للدراسات الإسلامية .
2 - الفرق الدينية اليهودية القديمة والمعاصرة دراسة شاملةعبد الوهاب محمد الجبورsted t
3 - رابط الموضوع: http://www.alukah.net/culture/0/78267/#ixzz54WoGTnKy
4- يهود اليوم ليسوا يهوداً : اعداد زهدي الفاتح، ص 44.
5- مروج الذهب، ج1، ص 178.
6- القبيلة الثالثة عشرة ويهود اليوم، ص23.
7- من اليهودية إلى الصهيونية : د . أسعد سحمراني، ص40 .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق