المسلمون بين فكي رحى ( أطماع اليهود وأطماع
الغرب )
منذ فجر الدعوة الإسلامية
واليهود يكنون كل حقد وضغينة للمسلمين، وذلك لأن وجود الإسلام يقف حائلا ضد تحقيق
أهدافهم وأطماعهم في حكم وتسيد العالم أجمع، ومنذ زمن بعيد التقت أطماع الغرب
وأطماع اليهود في الأمة الإسلامية، ولما كان العرب هم حماة الإسلام والمدافعين
عنه؟، فعلى أكتافهم انتشر، وبعزيمتهم حكم وتسيد، وبفتوحاتهم امتلأت الأرض عدلا بعد
أن كان ملؤها الجور والقهر، ومن ثمة يكن القضاء على العرب قضاء على الإسلام
والمسلمين.
وهنا وقبل الخوض في
التفاصيل علينا أن ندرك أمرين:
الأول: أن اليهود يتخذون من الغرب الآن عونا وسندا لهم
لتحقيق أهدافهم.
الثاني: أن الغرب المسيحي
هو الآخر يساعد اليهود طمعا في تحقيق أهدافه في الدنيا والآخرة.
وهذان الأمران سيبرزان لنا
في أثناء عرض تفاصيل فكي الرحى ( اليهود، والغرب المسيحي) التي وقع بينها العرب
والمسلمين، وما أن يتم لكل فريق تحقيق هدفه سينقلب على الآخر.
وذلك لأن حلم اليهود الذي
يطمحون إليه، ويسعون إلى تحقيقهن يتمثل في حكم وتسيد العالم قال تعالى:
[لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا اليَهُودَ
وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا َ] {المائدة:82}
فلقد اجتمع اليهود والذين
أشركوا في الماضي والحاضر على العرب والمسلمين، ومن أبرز ما قيل يوضح تلك العداوة
التي تأصلت في نفوس وقلوب اليهود نحو الإسلام والمسلمين، هذا على الرغم من علمهم
يقينا بصدق الرسالة والرسول – صلى الله عليه وسلم – ما ذكرته أم المؤمنين
السيدة:صفية بنت حيي بن أخطب حيث تحكي: ما كان يضمره اليهود لرسالة الإسلام،
ولرسولها – محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم – وذلك من خلال عرضها لموقف
أبيها حيي بن أخطب، وعمها أبا ياسر صاحبا خيبر حيث تقول بعد أن أسلمت، وتركت دين
اليهود { كنت أحب ولد أبي إليه، وإلى عمي أبي ياسر لم ألقهما قط معْ ولدًهما إلا
أخذاني دونه، فلما قدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المدينة، ونزل قباء غدا
عليه أبي وعمي مغلسين، فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس، فأتيا كالين ساقطين
يمشيان الهوينا، فهششت إليهما كما كنت أصنع، فو الله ما التفتْ إليً واحد منهما مع
ما بهما من الغم، وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي: أهو هو.؟!!! قال: نعم والله،
قال عمي: أتعرفه وتثبته ؟!!! قال: نعم، قال: فما في نفسك منه؟!!! أجاب: عداوته
والله ما بقيت } ( السيرة: ج2 ص 165، ووفاء الوفا ج1 ص 270
هذا وينبغي ألا نغفل عن
أمر ثالث ملفت لنظر العيان ألا وهو حالة الضعف والوهن بل لانبالغ إذا قلنا وخيبة
الأمل والتي ترتسم ملامحها على أمتنا الاسلامية، فكلما التفت حولك وجدت قتال يشكل
المسلمون طرفا فاعلا فيه، وأحيانا نجد المسلمين قاتل ومقتول، فمن البوسنة والهرسك
إلى الشيشان إلى أفغانستان إلى العراق إلى سوريا إلى كشمير إلى بورما إلى ليبيا
إلى شتى بقاع الأرض نجد القاتل والمقتول مسلم، وهنا يتعين علينا أن نسأل لماذا؟!
كل هذا؟!
وعندئذ نجد الجواب الشافي
في كلام سيد المرسلين – صلى الله عليه وسلم – حيث قال:
- عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن
قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل،
ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن.
فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت))
- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزَّرع، وتركتم
الجهاد، سلَّط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)).
ولكن لماذا هذا الذل الذي
أحاط بنا في كل درب لدرجة جعلت منا نحن أمة المياري مسلم أضحوكة لبضعة ملايين من
اليهود، وهنا نجد الجواب والحل الذي لا جدال فيه في قول الفاروق عمر إبن الخطّاب -
رضي الله عنه - حيث قال " لقد كنّا
أذلاء فأعزنا الله بالإسلام ، فإذا إبتغينا العزة بغيره ِ أذلنا الله "
في عام خمسة عشر للهجرة
أرسلَ قادة الجيوش الإسلامية إلى حاكم القدس ليسلمهم مفاتيح القدس بعد أن أراد
السلم ، فأبى حاكمها البطريارك صفرونيوس أن يُسلم المفاتيح لأيّ ٍ من القادة عمرو
بن العاص ، أو شرحبيل بن حسنة ، أو أبا عُبيدة عامر بن الجراح ،وقال لهم : لقد
قرأنا في كُتبنا أوصافاً لمن يتسلم مفاتيح مدينة القدس ، ولا نرى هذه الأوصاف في
أي واحد من قادتكم ، فأرسلوا إلى الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وطلبوا منه
الحضورليتسلم المفاتيح بنفسه ، ما داموا لا يُريدون القتال ، ويُريدونَ تسليم
المفاتيح والسلم ، ولا نـُريدُ أن ندخلَ معهم في قتال حتى تأذن لنا.
فركب عمر بن الخطاب (رضي
الله عنه) ومعه غلامه ، وكانا يتناوبان على الدابة بالركوب ويتركانها ترتاح مرة ،
وعندما قاربا على مشارف بلاد الشام وقريباً من القدس ، قابلتهم مخاضة من الطين
بسيل وادي عمواس ، فقال له أمين هذه الأمة أبو عُبيدة عامر بن الجراح : أتخوض
الطينَ بقدميك يا أمير المؤمنين وتلبس هذه المُرقعة وهؤلاء القوم قياصرة وملوك
ويُحبون المظاهر ،وأنت أمير المؤنين فهلا غيرت ثيابك وغسلت قدميك ؟؟ وهذا مقام عزة
وتشريف للمسلمين بتسلم مفاتيح القدس .
فقال عمر : لقد كنا أذلاء
فأعزنا الله بالإسلام ، فإذا إبتغينا العزة بغيره ِ أذلنا الله . والله لو قالها
أحد ٌ غيرك َ يا أبا عُبيدة لعلوت رأسه ِ بهذه الدِّرة .
وركب عمر وسار الغلام ، ثم
تناوب معه حتى قال أمراء وقادة الجند ،نتمنى أن تكون نوبة عمر على الدابة حينَ
يدخل على حاكم القدس ، ونخشى أن تكون نوبة الغلام ، فحصل ما كانوا يحذرون ، ودخل
الغلام راكباً وأمير المؤمنين يمشي على قدميه ، ولما وصلوا نظر صفرونيوس إلى عمر
وثوبه ِ وهو يقودُ الدابة لغلامه ِفسلمهُ مفاتيح القدس .
وقال له : أنتَ الذي قرأنا
أوصافه في كتبنا يدخلُ ماشياً وغلامهُ راكباً وفي ثوبه ِ سبعة عشرة رقعة ، (وفي
رواية أربعة عشر رقعة ) ، وعندما تسلم عمر المفاتيح خرَّ ساجداً لله ،وقضى ليلتهُ
يبكي وما جفت دموعه ، ولما سُئلَ عن سبب بكائه ِ قال : أبكي لأنني أخشى أن تـُفتحَ
عليكم الدنيا فينكر بعضكم بعضاً ، وعندها يُنكركم أهل السماء .
أقول : والله لقد حصلَ ما
كانَ يحذرُ، ويُحذرُ منهُ عمر (رضي الله عنه) لقد فـُتحت علينا الدنيا وأصبح يُنكر
بعضُنا بعضاً ، وأنكَرَنا أهلُ السماء .وأقول : إذا أرادَ قادة المسلمين اليوم أن
يصلوا إلى ما وصل إليه المسلمون في عهد عمر – رضي الله عنه –
فها هي الطريقة التي فعلها
أمير المؤمنين عمر الفاروق (رضي الله عنه) ،وهي:
أولاً التنازل عن الكبرياء
والمناصب والتواضع لله ثم لعباده .ِ
ثانياً إخلاص النية لله في كل قصد ودرب.
ألم يكن عند أمير المؤمنين
راحلة أخرى ليركب هو وغلامه كلٌ على راحلة ؟!
فلماذا يركب الخادم ويمشي
السيد ، فالسيد سيد والخادم خادم ؟!
ألم يكن الفاروق أميراً
للبلاد والعباد ويحق له أن يغرف من بيت مال المُسلمين غرفاً أو يأخذ منه ما يريد
؟! وينفق على نفسه وأهله كيف يشاء؟! ِ ويُبدل ثيابه ِ المُرقعة ؟! ولكنه طرح كل
هذا جانبا مكتفيا بعزة الإسلام ليكون القائد عزيزاً ؟!
لم يستعمل سيّدنا عمر (رضي
الله عنه) عدّة دوابّ أو دابّة خاصّة به بل إستعمل دابّة واحدة مع الغلام و لم
يُسرف.
لماذا فعل عمر بن الخطاب –
رضي الله عنه – ذلك لأنه أيقن أن الله تعالى ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب أو
قرابة فإذا استقام الناس على منهجه أعزهم، وإذا انحرفوا عنه وتركوه لم يبال بهم.
فشرط نصر الله تعالى
للمسلمين، وإعزازه لهم هو التمسك بالإيمان الصادق، والعمل الصالح... كما قال الله
تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ
وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم)ْ [محمد:7].
فقد جاء الإسلام والعرب
أضعف أمم الأرض وأكثرها تخلفاً وتفرقاً وجهلاً.... ولكنهم عندما اتبعوا دين
الإسلام توحدوا بعد التفرق، واجتمعوا بعد التمزق، وتعلموا بعد الجهل حتى أصبحوا
قادة الدنيا وسادتها، ومعلمي البشرية وساستها...
فتحقق لهم وعد الله
الصادق: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ
مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ
كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55].
وهذه الحقيقة فهمها السلف
الصالح رضوان الله عليهم وصاغوها بعبارات واضحة مؤثرة، قال عمر بن الخطاب رضي الله
عنه: كنا أذل أمة فأعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.
وقال الإمام مالك: لن يصلح
آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
وثبت عن النبي صلى الله
عليه وسلم من حديث ابن عمر أنه قال : ( بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله
وحده لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ،
ومن تشبه بقوم فهو منهم ) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود ، فبين النبي صلى الله عليه
وسلم أن كل من خالف أمره فله نصيب من الذلة والصغار بحسب مخالفته ومعصيته ، قال
الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في شرحه لهذا الحديث : "ومن أعظم ما حصل به
الذل من مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم : ترك ما كان عليه من جهاد أعداء
الله ، فمن سلك سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد عَزَّ ، ومن ترك
الجهاد مع قدرته عليه ذَلَّ.
وثبت عن أبي الدرداء رضي
الله عنه ، أنه لما فتح المسلمون قبرص وبكى أهلها وأظهروا من الحزن والذل ما
أظهروا ، جلس أبو الدرداء رضي الله عنه يبكي ، فقال له جبير بن نفير : يا أبا
الدرداء ، ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ؟ فقال رضي الله عنه :
(ويحك يا جبير ، ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره ، بينما هي أمة
قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى) .
فإذا أراد العرب والمسلمون
أن يرجعوا إلى سابق عهدهم وقديم عزهم فعليهم أن يرجعوا إلى دين ربهم، وهذا ما
سيتحقق -إن شاء الله تعالى- عن قريب، وقد بدأت بشائره تلوح في الأفق بعودة
المسلمين إلى دينهم.
وذكر ابن عبد ربه الأندلسي
في العقد الفريد ' بلا إسناد : كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى سعد بن أبي
وقاص ـ رضي الله عنهما ـ ومن معه من الأجناد أمير الجند في حرب الفرس فقال
:"أما بعد: فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال ؛ فإن تقوى
الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد
احتراسًا من المعاصي منكم من عدوكم ؛ فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، وإنما
ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة؛ لأن عددنا ليس
كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة،
وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا، فاعملوا أن عليكم في سيركم حفظة من الله
يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله، ولا
تقولوا إن عدونا شر منا فلن يسلط علينا، فرب قوم سلط عليهم شر منهم، كما سلط على
بني إسرائيل لمّا عملوا بمساخط الله كفار المجوس، فجاسوا خلال الديار، وكان وعدًا
مفعولًا، اسألوا الله العون على أنفسكم، كما تسألونه النصر على عدوكم ، أسأل الله
ذلك لنا ولكم"
فإذا تساوينا وعدونا في
المعاصي كان لهم السبق علينا في كل شيء
فهذا هو الدرب وسبيل النجاه مما نحن فيه يا أمة الإسلام.وهذه من وصايا
الفاروق لقادته ِ في أغلب المعارك فإذا طبقنا نظرية الفاروق عندها أبشروا بالقدس
والأقصى والأندلس وجميع أراضي الإسلام المُغتصبة والمُستباحة .
والآن تعالوا بنا ننقب في
دروب التاريخ لنأخذ العبرة والعظة، ونستلهم طريق الخلاص مما نحن فيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق