تاسعا: الصين تعاود اضطهاد المسلمين
تقوم نظرة الشيوعيين الصينيين إلى الدين على مقولة كبيرهم ماوزيدونغ الذي يزعم (بأن الفلاحين الذين يصنعون آلهتهم هم الذين يزيلونها بأيديهم عندما يحين الوقت ولا يحتاج أن يتولى غيرهم ذلك. ولكن سياسة الحزب الشيوعي الدعائية هي أن توجه السهام وتدعو الفلاحين لإطلاقها) ويعود ماو زيدونغ يشرح سياسته التي أشار إليها (لا نستطيع أن نجبر الناس على ترك معتقداتهم ونجبر غيرهم على الاعتقاد بالماركسية، ولكن الأسلوب الوحيد لحل قضايا الاعتقاد والخلاف هو استعمال الديمقراطية والنقاش والنقد والإقناع والتعليم .. ولكن لن يكون عن طريق الإكراه والإجبار) ومع ذلك يؤكد على رفض مبادئ الدين، إذ يقول: قد يشكل الشيوعيون جبهات سياسية مع أصحاب المثل واتباع الأديان لمقاومة الإمبريالية والإقطاعية، ولكن لن نوافق على مثالياتهم ومبادئهم الدينية، لأن الماركسية الصينية هي دين الشعب الصيني.
ويشرح المنظر الشيوعي ياهان جانغ، عن الأساليب التي ينبغي استخدامها لإنفاذ نظريات ماو الإلحادية، فيقول في مقال طويل نشرته جريدة الشعب اليومية الرسمية: (النضال ضد الدين الصحيح هو نضال عقائدي، وينبغي فقد استعمال الأسلحة الأيدلوجية النقية، ومثل هذه الأسلحة تكون في التعليم الإلحادي الإيجابي، والتركيز على تدريس التعاليم الماركسية والنشاط الدعائي، لرفع مستوى الوعي الجماهيري ولا يعني هذا استخدام وسائل الإكراه، بل من الضروري عدم إيذاء مشاعر المؤمنين).
وتتلخص هذه النظريات التي صاغها الشيوعيون الصينيون بمنح أصحاب المعتقدات الدينية حرية ممارسة شعائرهم الدينية العادية، ومنعهم من ترويج دعاياتهم الدينية مع تأمين حرية الملحدين فيما يذهبون إليه من نشر دعاياتهم الإلحادية وتعليمهم المادي، لأنه يزعمون أن ذلك يؤدي إلى تلاشي الدين بالتدرج، وإذا كانت السلطات الشيوعية قد شنت حربًا ضارية ضد الدين إبان الثورة الثقافية بتهم الرجعية ومعاداة الثورة العمالية، ولكنها مع ما تسميه بالانفتاح السياسي والاقتصادي الحديث عادت تؤكد موقفها السابق، حيث نص الدستور الذي أقره مجلس الشعب الصيني في دورته الخامسة المنعقدة في الرابع من ديسمبر 1982م على ما يلي:
المادة 36: مواطنو جمهورية الصين الشعبية يتمتعون بحرية الاعتقاد الديني، ولا يحق لأية هيئة حكومية أو مؤسسة شعبية أو لأي فرد أن يضغط على المواطنين للاعتقاد بدين أو الإنكار به، والحكومة تحمي النشاطات الدينية العادية، ولا يجوز لأي أحد كان أن يستخدم الدين في نشاطات تؤدي إلى إزعاج النظام العام أو الإضرار بصحة المواطنين أو التدخل في النشاط التعليمي والهيئات الدينية لا تخضع مطلقًا لأي سيطرة أو تدخل أجنبي.
المادة 24: تعمل الدولة على بناء الثقافة الروحية الاشتراكية من خلال نشر التعليم في المثاليات والإخلاص والتعليم العام والأدب والنظام، كما تعليم الناس الوطنية والجماعية والعمالية والشيوعية والجدلية التاريخية وتجارب الرأسمالية والإقطاعية وغيرهما من آلافكار الضارة.
ومع أن هذه المادة الأخيرة تشير إلى إمكانية ترويج الثقافة الدينية بما تعكسه كلمة الروحية من معنى وهي كلمة شاذة في القاموس الماركسي، ولكن صفة الاشتراكية التي لحقتها تعني تسخير آلافكار الدينية لبناء الاشتراكية، ولا يعني البتة نشر الإيمان الاعتقادي؛ لأن إمكانية ذلك تتلاشى مع المادة 19 التي تنص على أن الدولة تطور التعليم الاشتراكي لرفع المستوى العلمي والثقافي لكل الأمة، وتأتي الفقرة الموجودة في المادة 36 التي تقول: بعدم التدخل في نشاط التعليم الحكومي، بالتقييد لحرية النشاط الديني.
وقد شرح ذلك لي روي خوان في محاضرة في دورة دراسة القضايا الدينية والقومية في الظروف الجديدة في 4/7/1994 : ( لا بد أن يكون الدين في خدمة المجتمع الاشتراكي ضمن القانون وضوابط السياسة الحالية، فالقانون يضمن حرية الاعتقاد، والدين يعمل طبق الأسس السياسية، ويتحرك وفق القانون)
وتوضح ذلك الدكتورة فرانسواز أوبان مديرة أبحاث مركز الدراسات الصينية في المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية في باريس في مقالها (كيف يعاش الإسلام في الصين) حيث تقول:
يعود تاريخ النصوص القانونية الأساسية التي تنظم الممارسة الدينية -أو بالأحرى التي تنظم نقصان الحرية الدينية كما يقول المؤمنون- إلى عام 1982م (المادة 36 من الدستور)، والوثيقة الصادرة عن اللجنة المركزية المعروفة بالوثيقة رقم 19) وتؤكد هذه النصوص تقريبًا المبادئ المطروحة للسنوات الأولى للنظام: للإلحاد نفس الحقوق والوظائف الممنوحة لكل دين، دون أن يسمح بممارسته داخل أماكن العبادة الرسمية، وتعود إدارة الأمور الخاصة بكل دين إلى جمعية وطنية تلزم القائمين بمراسيم العبادة الانتماء إليها، لقاء الاعتراف بهم رسميًّا والحصول على أجر محدد، كما أن التربية الدينية ممنوعة للقاصرين أي لمن لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، يضاف إلى ذلك أن النشاطات الدينية محظورة خارج أماكن العبادة المصرح بها، مما يعني بوضوح أن الدعاية المضادة للدين يمكن ممارستها في كل مكان استثناء المعابد والأديرة والجوامع والكنائس، في حين أن التبشير الديني ممكن فقط للراشدين وداخل عدد من الأسوار والأبنية المحددة.
ويقول تانغ شي مين: إن معاداة الدين هو أساس الفلسفة الماركسية التي يبنى عليها حزب البرولتاريا نظامه في تسيير الحكومة الاشتراكية، وما يطبقه الحزب الشيوعي الصيني من نظرية ماركسية وحرية دينية معًا يعني حرية ممارسة شعائر الدين مع تكثيف الدعاية والتعليم الماركسي، ثم يفصل في مقاله الطويل مفهوم الحرية الدينية على أنه تصرف شخصي ضمن إطار قانون وأحكام الحزب الشيوعي، التي تحدده طبقًا لظروفه وسياسته ولا يمكن أن يخرج بأي حال من الأحول عن ذلك الدين وفرض الاحترام على المعتقدين بالدين وغيرهم من الملحدين. كما ينبغي تكثيف التعليم الماركسي وترويج نظريات ماركس ولينين وماوزيدونج بالأساليب الإعلامية الحديثة على نطاق شامل وأعم.
وعلى ضوء هذا الاتجاه الماوي الشيوعي فقد قرر الحزب الشيوعي الصيني منع الأطفال من التعليم الديني قبل أن يبلغ الثامنة عشر عامًا من العمر، وأن يكون التعليم الديني بعد ذلك أيضا معاهد تشرف عليها السلطات الشيوعية.
إذ إن الهدف الرئيسي منها هو تأهيل الموظفين الذين يستطيعون تطبيق سياسة تسخير الدين لأهداف الحزب الشيوعي، وهذا ما شرحه بالتفصيل كتاب التوجيه في تفعيل الاشتراكية بالدين -الذي وضعه قسم الجبهة المتحدة في الحزب الشيوعي الصيني لولاية كاشغر بالاتفاق مع الإدارة الدينية للأقليات في محافظة كاشغر، حيث ضم الكتاب دروسًا ومحاضرات ألقيت في ندوة ضمت 48 شخصًا من مسئولي الأديان و24 شخصًا من رؤساء الإدارات الدينية الحكومية و20 شخصًا من مسئولي المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصين و43 شخصًا من مدرسي الأديان، وهذه الندوة التي ضمت 135 شخصًا وعقدت في كاشغر فيما بين 5-9 سبتمبر 1994م ووُضعت الخطوط الرئيسية لإنفاذ خطة الحزب الشيوعي الصيني في محاربة الدين وبالأخص الدين الإسلامي وتركزت على ما يلي:
- يمنع حلقات حفظ القرآن الكريم وتعليم أحكام الدين في المساجد والمنازل وأن يتم ذلك فقد في المعاهد الإسلامية التي تفتح في المدن الرئيسية تحت إشراف السلطات الرسمية.
- أن يكون التعليم الإسلامي قاصرًا فقط على من بلغ الثامنة عشرة من العمر.
- لا يتم ترميم المساجد وإصلاحها أو بناء الجديد منها إلا بإذن رسمي من السلطات الرسمية.
- يمنع تدخل علماء الإسلام في الأحوال الشخصية الإسلامية من عقود الأنكحة والطلاق والميراث وتحديد النسل والتعليم وجمع الزكاة وصرفها.
- تسخير المفاهيم الإسلامية في ترويج النظام الشيوعي وتأييد ممارسات السلطات الصينية لأعمالها، ويمنع الإشارة إلى أي مفهوم ديني ينتقد الفكر الماركسي الماوي الشيوعي الصيني.
- رجال الحزب الشيوعي الصين لا يمارسون شعائر الدين؛ لأنهم العاملون بنظامه ومنفذو تعليماته ولا يحق لأي كائن أن يحتقرهم ويسيء إليهم مواقفهم من الدين.
- يمنع اتصال الهيئات الدينية ورجالها بالمؤسسات الإسلامية وشخصياتها في خارج الصين، كما يمنع تلقي المساعدات منهم بدون تصريح حكومي، ويمنع السماح لأي عالم أو إمام أجنبي أن يؤم المسلمين أو أن يخطب فيهم في المساجد.
- يحظر لغير الإمام الرسمي الإمامة والخطابة، كما تمنع الصلاة والوعظ في غير المساجد التي تفتح بإذن السلطات الرسمية وتحت إشرافها.
- وقد أكدت القرارات الحكومية تطبيق هذه التعليمات الشيوعية التي تهدف إلى محاربة الإسلام حيث نشرت جريدة شنجيانغ اليومية الرسمية في 6 أغسطس 1994م قانون (مراقبة النشاط الديني) الذي يتكون من 22 مادة، وصادق عليه مؤتمر شنجيانغ الشعبي في 16 يوليه 1994م، ووضع موضع التنفيذ من أول أكتوبر 1994م وجاء فيه:
- لا تخضع المؤسسات الدينية والنشاط الديني لأي قوى أجنبية.
- جميع رجال الدين من العلماء والأئمة يخضعون لزعامة الحزب الشيوعي الصيني ويعملون بالنظام الاشتراكي ويدافعون عن وحدة الأمة والشعب.
- يخضع الإمام والعالم لشروط الحكومة وموافقتها.
- يجب تسجيل جميع الأماكن الدينية وموافقة الجهات الرسمية حتمية لإنشاء المسجد أو ترميمه.
- تعمل الهيئات الدينية على تنفيذ سياسة الحزب الشيوعي تجاه الدين.
- يمكن أن تفتح الهيئة الدينية مدرسة دينية بشرط موافقة مجلس الوزراء، وبدون موافقته لا يمكن لأي هيئة أو شخصية دينية أن تفتح مدرسة دينية أو فصلا دينيا.
- يمكن أن تقيم هيئة أو شخصية دينية علاقة صداقة على أساس المساواة مع هيئة أو شخصية دينية أجنبية بشرط موافقة مجلس الوزراء على ذلك.
- لا يمكن طبع ونسخ وتوزيع الكتب أو المنشورات أو التسجيلات الدينية بدون موافقة السلطات الرسمية.
- يعاقب بشدة جميع الهيئات أو الشخصيات الدينية التي تعترض تنفيذ هذا القانون.
ولم تكن هذه المواد هي النهاية في محاربة الدين، بل اتخذت السلطات الصينية حادثة مسجد بيت الله في خوتن لإصدار القرارات التالية في العشرين من يوليو عام 1995م وكانت كالآتي:
1- يمنع الاستفادة من الحرية الدينية لمعارضة النظام الشيوعي وسياسة الحزب الشيوعي الصيني أو ترويج الدعاية ضدهما.
2- يمنع تدخل الأئمة وعلماء الدين في نظام التعليم الحكومي وصرف الشباب عن ذلك.
3- يمن اشتغال الشباب بالشعائر الدينية.
4- يمنع استخدام مكبرات الصوت في المساجد كما يمنع استخدام التسجيلات الدينية في أماكن الاجتماعات العامة.
5- يمنع النساء من دخول المساجد.
6- يمنع أعضاء الحزب الشيوعي الصيني من ممارسة شعار الدين من صلاة وصيام وعبادة ويعاقب من يفعل ذلك.
وفي نفس يوم 20 يوليو 1995م نشرت جريدة الصين اليومية التي تصدر باللغة الإنجليزية في بكين عاصمة الصين الشعبية كلمة بعنوان: «الصين تمنع السيطرة الأجنبية على الدين» كتبها شيء ليانغ جون، على لسان زائغ شنغ زوه، رئيس مكتب اشئون الأديان التابع لمجلس الوزراء الصين من مقابلة صحفية نشرت في العدد الأول من (مجلة الأديان) للدورية التي صدرت في بكين في 19/7/1995م أن حكومة الصين والهيئات الدنية الصينية لن تتدخل في الشئون الدينية في الدول الأخرى، كما أنها في الوقت نفسه لن تسمح بتدخل القوى الأجنبية في الشئون الدينية والجماعات الدينية الصينية،وأن اتصال الهيئات والشخصيات وتعاونها مع مثيلاتها وراء البحار سيكون على أسا الود والمساواة, وطبقا لنظام حكومي صدر في الأول من يناير 1994م يمنع الأجانب من تأسيس مدارس دينية أو مكاتب دينية أو أماكن للأنشطة الدينية في الأراضي الصينية، ثم أشار إلى معاقبة عدد من المعتقدين بالدين بسبب اشتراكهم في أعمال تضر المصالح الوطنية وسلامة الناس وأملاكهم.
والواقع أن جميع الأحداث التي تورط فيها المسلمون في تركستان الشرقية، أو في الصين نفسها لم يكن المسلمون من أسبابها، بل الجانب المدافع للإساءة، ومن ثم تحمل نتائجها، حيث كان عليهم قبول الإساءة أو رفضها أو قبول العقوبة، فمثلا عندما نشرت جمعية شنغهاي لنشر الثقافة كتاب العادات الجنسية، لمحرره كي لي وسانغ باللغة الصينية في شانغهاي في أواخر شتاء عام 1989م، قام المسلمون بمظاهرات حاشدة للمطالبة بمصادرة الكتاب المذكور الذي يسيء إلى تعاليم الإسلام ومعاقبة كل من المحررين ودار النشر وذلك في بكين ولانجو وينجوان وشينيغ وأورومتشى في شهري مايو وإبريل عام 1989م ، ومع أن السلطات الشيوعية أعلنت اتخاذ إجراءات لإنصاف المسلمين، ولكنها كانت إجراءات طالت المسلمين أنفسهم حيث اعتقل عدد منم في شينيغ وأورومتشى ولانجو.
وفي أغسطس عام 1992م في جنغدو عاصمة مقاطعة سيشوان، نشرت دار نشر محلية سلسلة كتب للأطفال بعنوان« فكر وأجب» في الكتاب العاشر، هو بعنوان «دوران الدماغ السريع» صورة كاريكاتورية لخنزير يقف خلفه رجل مسلم يصلي له وخلفهم صورة مسجد وكتب في التعليق تحت الصورة: لماذا لا يأكل المسلمون الخنزير؟ الإجابة لأنهم يعبدونه. وقد أثار هذا غضب المسلمين فقامت مظاهرات حاشدة في أرجاء الصين في أكتوبر 1993م وتم اعتقال الكثير من المسلمين منهم الشيخ إسحاق هان ون، مدير المدرسة الإسلامية الخاصة في بكين، ولا يزال المذكور في السجن والمدرسة مغلقة بحجة أنها لم ترخص مع أنها مفتوحة من أكثر من ثمانية أعوام.
وفي يوم 11/10/1414هـ اقتحمت القوات الصينية منازل المسلمين في قرية خوشين في مقاطعة خينان في جنوب الصين بدعوى أنهم يبحثون عن الأسلحة، واعتقلت 520 مسلما ويزال في السجين 65 منهم حتى الآن.
ومع أن النظام الشيوعي يمارس دائما خلاف ما يقننه في دستوره، إلا أن بوادر الانفتاح السياسي والاقتصادي الذي بدأ دينغ شياو بينغ عهده أضفت على الممارسات الدينية حرية نسبية كانت مفقودة في عهد سلفه، وأوحت بالآمال بتحسن أحوال المسلمين... بيد أن ذلك لم يدم وبدأ التراجع عملا بالمفهوم الماركسي، «خطوتين إلى الأمام ثم خطوة إلى الوراء» وما يعانيه المسلمون من إجراءات تعسفية يعكس أن حكومة الصين الشعبية قد حققت هدفها من الانفراج النسبي تجاه الدين وخاصة مع المسلمين، حيث تمكنت من دخول أسواق دول الخليج وحققت علاقات دبلوماسية مع العالم الإسلامي وهي خطوت مهمة في سياستها الدولية، وبدأت حاليا خطوة إلى الوراء.. فهل يعي المسلمون ما تمارسه الصين من أعمال في المجالين الداخلي والخارجي... أم يترك المسلمون لمصيرهم المجهول ضحية المصالح والمنافع الاقتصادية والسياسية.(1)
(جلوب أند ميل) الكندية
جاء في افتتاحية (جلوب أند ميل) الكندية تحت عنوان: اضطهاد المسلمين في الصين
فرضت الصين بطريقة ظالمة وغير حكيمة قيوداً على شعائر الإسلام في إقليم شينجيانج. هذه السياسة خطأ في حد ذاتها وتعكس في أفضل الأحوال غياب الاحترام لحقوق الإنسان ككل.وقد نشرت مواقع الإنترنت التابعة للكثير من الحكومات المحلية وسلطات المقاطعات الصينية مؤخراً بيانات تحظر فيها على الطلبة والمعلمين والمسؤولين (بما في ذلك المتقاعدين) وأعضاء الحزب الشيوعي الحاكم المشاركة في أي أنشطة تتعلق بشهر رمضان المعظم لدى المسلمين بما في ذلك زيارة المساجد أو الصيام.
يذكر أن إقليم شينجيانج الذي يمثل حوالي سدس مساحة الصين ككل كان يعرف سابقا لدى الدول الغربية باسم تركستان الصينية لأن أغلب سكانها كانوا من الشعوب التركية والمنغوليين وأغلبهم مسلمون. وأكبر طائفة إسلامية في هذا الإقليم هي طائفة اليوجور التي يبلغ تعدادها 9 ملايين نسمة. وخلال العقود الأخيرة هاجر الكثيرون من الصينيين إلى هذه المنطقة وأصبح عددهم يعادل عدد مسلمي اليوجور تقريبا. هذه المنطقة ذات أهمية استثنائية بالنسبة للصين حيث إنها تقع على حدود الصين مع ثماني دول إلى جانب امتلاكها للجزء الأكبر من احتياطيات النفط والغاز الصينية.
الحقيقة أن منع المسلمين من ممارسة شعائرهم الدينية في شينجيانج ليس جديدا ولكن أصبح أكثر تشددا خلال السنوات القليلة الماضية ويعرض باعتباره قضية تتعلق بالاستقرار الاجتماعي والأمن في الإقليم.
في الأسبوع الماضي تمت إدانة 20 شخصا من اليوجور غالبا بارتكاب أعمال إرهابية وممارسة أنشطة انفصالية. وبالطبع هناك احتمال أن يكون عدد من مسلمي شينجيانج المتطرفين قد حصلوا على الأسلحة أو يؤيدون المقاومة المسلحة ضد السلطات الصينية. ولكن حرمان المسلمين من ممارسة شعائرهم الدينية بصورة سلمية بين المجموعات التي يسهل نسبيا السيطرة عليهم مثل طلبة المدارس وأعضاء الحزب الشيوعي يشير بوضوح إلى غياب التسامح الديني لدى الحكومة الصينية والحزب الشيوعي ومن المحتمل أن يغذي النزعات الانفصالية بين مسلمي شينجيانج. إذا استمرت هذه السياسة الصينية سيأتي اليوم الذي يندم فيه حكام الصين في بكين على عجرفتهم تجاه الحرية الدينية وحقوق الإنسان بشكل عام(2)
جذور الاضطهاد الصيني لمسلمي تركستان الشرقية
جاءت الاضطرابات الدموية الأخيرة – التى وقعت أيام عيد الفطر – فى تركستان الشرقية , وما تبعها من قيام السلطة الصينية بعمليات قمع واعتقال واسعة للمسلمين هناك, لتعيد للذاكرة التاريخ المرير لهذا الإقليم الذى تقطنه الأغلبية المسلمة تحت الاحتلال الصيني.
وبالرغم من أن هذه المظاهرات والاضطرابات لم تكن إلا تعبيرا عن سخط الشعب التركستاني المسلم من ممارسات النظام الصيني الذى رفض السماح للمسلمين بإقامة شعائرهم الدينية يوم عيدهم, إلا أن السلطات الصينية وكعادة كل الأنظمة الاستبدادية – ردت باستخدام القوة وقتلت أكثر من ثلاثمائة من المسلمين – حسب التقديرات المحلية واعتقلت الألوف منهم, واقتادتهم إلى أماكن مجهولة, وقطعت الاتصالات الهاتفية بين تركستان الشرقية والعالم الخارجي وضربت حصارا كاملا على مدينة إيلي كما فرضت حظر تجوال على عدة مدن أخرى.
لكن هذه الأحداث – رغم ضراوتها ووحشيتها – جذبت الأنظار إلى ما حدث فى تركستان الشرقية وفتحت ملف صفحات مطوية من نضال مسلمي تركستان من أجل الاستقلال والذى استمر ما يقرب من نصف قرن – منذ اجتماع القوات الصينية الشيوعية في تركستان عام 1949 حتى الآن – عانى خلالها الشعب التركستاني المسلم من الاضطهاد البشع من قبل السلطات الصينية, واستشهد خلالها مئات الألوف من المواطنين واقتلع مثلهم من قراهم ومدنهم بالقوة ووطنوا قسراً فى معسكرات هى أشبه بمعسكرات اعتقال موزعة على المحافظات الصينية ولعل ما يؤكد وجود حالة حرب فعلية دائمة فى تركستان الشرقية هو أن السلطات الصينية لا تزال تنشر نحو 400 ألف جندي فى هذا الإقليم.
وهنا نسأل لما يُفعل بهم هكذا؟!
المراجع:
(1) توختي آخون أركين: مجلة (الدعوة) 28 مارس 1996م. 9 ذي القعدة 1416هـ.
(2) الجزيرة العدد 14566
(3) وكالة الأنباء التركستانية: جذور الاضطهاد الصيني لمسلمي تركستان الشرقية: بقلم : محمد عوض تركستان
04-12-2012