الثلاثاء، 23 يوليو 2019

سابعا:بداية التحول في العلاقة اليهودية المسيحية:الفصل الخامس: المسيحية السياسية والمسيحية الدينية:


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الفصل الخامس: المسيحية السياسية والمسيحية الدينية:
سابعا:بداية التحول في العلاقة اليهودية المسيحية:
مر قطار العلاقة ما بين اليهود والمسيحية بالعديد من المحطات توشحت جميعها بالسواد وروح العداء فالبداية كانت مع اضطهاد اليهود للمسيحيين منذ أيام يسوع، ودورهم في صلبه على حسب عقيدة الفريقين، ثم قام ذو نواس اليهودي بقتل مئات الألوف من المسيحيين في اليمن ولقد خلد القرآن الكريم تلك القصة في سورة البروج قال تعالى:
{ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } (1)
وبداية من القرن الرابع تغيرت الأدوار حيث أخذت المسيحية باضطهاد اليهودية، فطرد اليهود أولاً من الإسكندرية وعاشوا خلال الإمبراطورية البيزنطية خارج المدن الكبرى.
في القرون الوسطى، وفي تاريخ أوروبا كله، كان النصارى يضطهدون اليهود أشد الاضطهاد؛وكان الباباوات يصدرون أوامرهم ضد اليهود في كل مكان، ومن العجائب التي هي أشبه بالنكتة أنه اجتاح أوروبا في القرن السابع عشر طاعون عظيم جداً فتك بأكثر الأوروبيين في جميع الدول، وقتل كثيراً منهم، وهم يسمونه: الوباء الأسود، وهو معروف في التاريخ الأوروبي، فأعلن البابا من الكنيسة في روما قائلاً: إن سبب هذا الوباء هم اليهود الذين قتلوا المسيح، والذين يأكلون الربا ويزنون.
ولو أخذت أي قاموس من قواميس اللغات الأوروبية، وبحثت عن كلمة (يهودي)، فإنك ستجد أن معناها: البخيل.. الجشع.. الديوث.. الكافر.. الملحد، وأكبر سبة تطلق على الإنسان الأوروبي والنصراني أن يقال له: يا يهودي، وهذه حقائق معروفة.(2)
وبدءًا من القرن الحادي عشر فًرض على اليهود العمل بمهن معينة؛ ثم صدر عام 1492 مرسوم بطردهم من إسبانيا في حال عدم اعتناقهم المسيحية، ثم طردوا من فيينا سنة 1441 وبافاريا 1442 وبروجيا 1485 وميلانو 1489 ومن توسكانا 1494، وأخذوا يتجهون نحو بولندا وروسيا والإمبراطورية العثمانية.
ثم طرأ متغير جديد على تلك العلاقة بين اليهود والمسيحية فتحولت من العداوة إلى التحسن ثم إلى الصداقة بل والتعاون، وبدأ ذلك التغير بين اليهود والطوائف البروتستانتية في القرن التاسع عشر ومن ثم القرن العشرين وتوّجت هذة الصداقة بنشوء الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة الأمريكية ودعمهما لقيام إسرائيل لأسباب دينية.
أما الكنيسة الكاثوليكية فلم تتحسن علاقاتها باليهود حتى عهد البابا بولس السادس الذي برئ اليهود من تهمة لاحقتهم طويلاً وهي قتل يسوع صلبًا، وقد جاءت التبرئة استنادًا إلى إنجيل لوقا 48/23.
المجمع الفاتيكاني الثاني.
ثم جاء المجمع الفاتيكاني الثاني ليؤكد ما ذهب إليه البابا وطالب بعلاقات طبيعية مع اليهود: على اعتبار إن كانت سلطات اليهود وأتباعها هي التي حرضت على قتل المسيح، فلا يمكن مع ذلك أن يُعزى ما أًقترف أثناء آلامه إلى كل اليهود اللذين كانوا يعيشون آنذاك دونما تمييز ولا إلى يهود اليوم.
إن المسيح بمحبته الفائقة قدّم ذاته طوعًا للآلام والموت بسبب خطايا جميع الناس لكي يحصلوا جميعًا على الخلاص، وهذا ما تمسكت به الكنيسة ولا تزال.
البابا مع جورج بوش الابن ولورا بوش من المقر الصيفي للبابا في كاستيل غاندولفو، 23 يوليو 2001.
وفي القرن العشرين، وجهت الكنيسة اعتذارًا عن مآسي اليهود التي حصلت بسببها أو "بسبب تقصيرها في حمايتهم"، ثم تكاثرت التصريحات، على سبيل المثال تصريح يوحنا بولس الثاني عام 1986، الذي يعتبر جزءًا من التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية: "بالنسبة إلينا، ليست الديانة اليهودية ديانة خارجية، بل إنها تنتمي إلى قلب ديانتنا، وعلاقتنا بالديانة اليهودية مختلفة عن علاقتنا بأي دين آخر. أنتم إخوتنا الأحباء ونستطيع القول ما معناه، أنتم إخوتنا الكبار" (3)
وفي عام 1993 تمّ تبادل التمثيل الديبلوماسي بين الفاتيكان وإسرائيل، ثم تلا ذلك زيارة البابا يوحنا بولس الثاني إلى القدس سنة 2000.

عوفير جندلمان، المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي، عن نتنياهو قوله: أود أن أشكر قداسة البابا فرنسيس على تلبيته لطلبي بزيارة النصب التذكاري لإحياء ذكرى ضحايا الإرهاب، لقد شرحت للبابا أن إقامة الجدار الأمني أدت إلى تفادي سقوط ضحايا كثيرة أخرى خطط  لها الإرهاب الفلسطيني الذي يستمر أيضا الآن لاستهدافها.


ورغم هذا التحسن فلا تزال بعض الخلافات قائمة في العلاقات بين الكنيسة الكاثوليكية وإسرائيل حول ملكية بعض المقدسات المسيحية، وبعض النصوص الطقسية التي تقرأ عادة في أسبوع الآلام تصف اليهود بأوصاف مشبوهة.
أما الكنيسة الأرثوذكسية، فبينما تقف الكنيسة الأرثوذكسية في الشرق بشدة ضد أي تحسن في العلاقات مع اليهود، أخذت مواقف هذه الكنيسة في الغرب موقفا مغايرا بالانفتاح على اليهود.
يقول الشيخ الدكتور سفر الحوالي - حفظه الله -: ومنذ أن أحكمت اليهودية العالمية أنشوصتها على العالم الغربي الذي أوقعته أسيراً في شباكها الأخطبوطية اتخذت العداوة مساراً واحداً تحفزه الروح الصليبية، وتوجهه الأفعى اليهودية؛ فقد  تشابكت، وتداخلت مصالح الطرفين،وكان الغرب الصليبي مستعدًّا  للتخلي عن كل حقد وعداوة إلا عداوته للإسلام في حين كانت الخطط التلمودية تروم تسخير العالم الصليبي بعد أن شلَّت قواه، وركبت رأسه للقضاء على عدوها الأكبر الإسلام  (4)
ويقول الشيخ - حفظه الله -: وتجدر الإشارة إلى أن خطة العمل الموحد المشترك بين الصليبية واليهودية أصبحت لزاماً وواجباً على كلا الطرفين بعد الموقف الصلب الذي واجه به السلطان عبد الحميد هرتزل؛ إذ تعين بعدها أن القضاء على الخلافة الإسلامية ضروري لمصلحة الفريقين: النصارى الذين كانت لهم دولهم الاستعمارية تتحين الفرصة للأخذ بثأر الحروب الصليبية، واليهود الذين أيقنوا أن فشلهم مع السلطان يستوجب التركيز على العالم الصليبي، وتسخيره لمآربهم التلمودية،وبلغت الخطة ذروة التوحد بعد قرار المجمع الماسوني الذي ينص على تبرئة اليهود من دم المسيح عليه السلام، والذي كان يهدف إلى محو كل أثر عدائي مسيحي لليهود، وبالتالي إيجاد كتلة يهودية نصرانية واحدة لمجابهة الإسلام.  (6)
وهكذا نجد أن اليهود والنصارى متعادون متناحرون لا يجمعهم سوى مصالحهم، وأعظم مصلحة يجتمعون عليها هي عداء الإسلام والمسلمين.
وما وعد بلفور المشؤوم وما نراه اليوم من تحالف بين أمريكا وإسرائيل, إلا نموذج لذلك التحالف.
وقد تبنَّى بعض النصارى في أمريكا وأوربا فكرة وجود إسرائيل الحديثة على أنها تحقيق لنبوآت الكتاب المقدس، وعلامةٌ على قرب عودة المسيح إلى الأرض ثانية؛ حيث إنهم يعتقدون أن المسيح سينزل في آخر الزمان، وهم متفقون مع المسلمين في هذه القضية إلا أن اليهود - بخبثهم ومكرهم وبغباء النصارى- حوَّلوا هذه القضية لصالحهم؛ فاليهود يعتقدون بمجيء مسيح مُنْتَظر؛ لأنهم يعتقدون أن عيسى عليه السلام كذَّاب دجال،
أما المنتظر الذي ينتظرونه فهو - ملك السلام - كما يزعمون، وفي الحقيقة هو المسيح الدجال.
ومن هنا غرَّروا بالنصارى، وقالوا: لابد أن نعمل بما اتفقنا عليه، وهو أن المسيح سينزل, أما منْ هو المسيح الذي سينزل فسنتركه جانباً؛ فاليهود يعتقدون بأن النصارى سينتهون إذا جاء منتظرهم، والنصارى بعكسهم، حيث يعتقدون بأن المسيح إذا نزل سيقتل كل منْ لم يدخل في المسيحية.
ومن المؤتمرات التي عقدت بهذا الصدد المؤتمر المسيحي الصهيوني الدولي الذي عقد في إبريل عام (1988) م, في إسرائيل، وألقى فيه إسحاق شامير رئيس الوزراء بنفسه كلمة الافتتاح.
وفي كلمته التي اتسمت بالعاطفة والحماسة أكد شامير - وبكل وضوح - استمراره في تثبيت أركان الدولة الصهيونية، ومقاومة الفلسطينيين بكل الوسائل،وفي نهاية كلمته وقف كل المستمعين لتحيته، وذلك حينما دعاهم لأن يدعوا كل مسيحيي العالم لتعضيد دولة إسرائيل.  (6)
.وفي هذا المؤتمر قال أحد القساوسة المشاركين فيه، وهو (فان درهوفيه) قال: إن الكنيسة التي لا تتبع هذا الطريق - تأييد إسرائيل - سوف تنتهي مثل الدخان.(7).
ولعلنا نجد من ثمار ذلك ما تقوم به الدول الغربية من حماية لمصالح اليهود، والحرص على هجرتهم، وتشجيعها، وتسهيل ذلك، أو محاولة تخفيف عداء المسلمين لليهود.
وبالرغم من هذا التحالف إلا أننا نجد بين الفينة والأخرى منْ يعارضه من النصارى، ويعده أضحوكة يهودية؛ لكي يستغلوا النصارى في تنفيذ مخططاتهم التلمودية.
ومن هؤلاء الكتاب الذين كتبوا عن هذا الموضوع قس مصري اسمه إكرام لمعي، وينتمي للكنيسة الإنجيلية، وله كتاب اسمه (الاختراق الصهيوني للمسيحية) حيث بيَّن فيه مدى الاستغلال الصهيوني اليهودي للدين المسيحي؛ لتحقيق الأطماع والأحلام.(8) 
وفي النهاية علينا أن ندرك أن حركة الإصلاح الديني البروتستانتية في أوربا أنشأت اتجاها جديداً ، ينظر إلى اليهود نظرة ودية، تطورت حتى وصلت ذروتها في مطلع هذا القرن ، وتمخضت عن تحالف قوي صليبي يهودي هدفه توحيد الجبهة ضد الإسلام.
أبرز مقومات هذا التحالف أنه انطلق من تراث وعقيدة وكانت أوضح خصائصه الجماعية ،والشمول ،إذا انتفت الفردية في حركته ،ووجهت ضرباته إلى كل نواحي الحياة الإسلامية.
استغل اليهود الأحداث العالمية – هنا وهناك – ولم يكونوا هم صانعيها ، ووقفوا دائما ً في الصفوف الخلفية – لا المتقدمة – يحصدون نتائجها ، وكان تحالفهم مع الأقوياء دائما ً من أسرار نجاحهم ، وهذا يعني أنهم ليسوا بهذه العبقرية الفذة ، أو الشجاعة النادرة كما يصورهم بعض من كتب عنهم .
كان للتحالف المذكور أثر على كافة الجوانب الإسلامية المعاصرة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، فتغيرت – بذلك – ملامح المجتمع الإسلامي ، وفقد معظم سماته وخصائصه.
هناك اتجاه خطير ، لا يزال كثير من المسلمين يجهل حقيقته وأهدافه ، هو ما يعرف بالصهيونية المسيحية ، أو الأصولية الإنجيلية تتزعمه اليوم الولايات المتحدة.
لا يمكن – أبداً – للدول الغربية وعلى رأسها أمريكا أن تصل إلى نتيجة صحيحة في قضية السلام بين العرب واليهود ، والتي تدعي أنها راعيتها – ما لم تتخل هذه الدول عن خلفياتها الدينية التوراتية ، وطبيعتها العدائية التي تجعلها دائماً مع الصالح اليهودي.
إن ضعف الأمة الإسلامية من داخلها ، هو السبب الأكبر الذي هيأ لمخططات هذا التحالف النجاح والفاعلية .
إن طريق العودة والنهوض هو الطريق النبوي ؛ من تربية الأفراد والشعوب الإسلامية على هذا الدين ،وإقامة المجتمع المسلم بكل مقوماته وخصائصه وصولاً إلى الحكومة المسلمة والخلافة الإسلامية ، ولا بد أن يتحرك لذلك الأفراد، والمختصون والمؤسسات المختلفة ، دون أن يتخلف في ذلك طرف.(9)
فهل نحن منتهون؟! ومن وقائع التاريخ معتبرون؟! وإلى الحق عائدون؟! أم أن على الأبصار غشاوتها؟! وعلى العقول أقفالها؟! وعلى القلوب أدرانها؟!.

المراجع:
(1)           سورة البروج – 8:3 –
(2)           اليهود وراء دعوة تقارب الأديان - الشيخ سفر الحوالي.
(3)         التعليم المسيحي للشبيبة الكاثوليكية، ص.84.
(4)         العلمانية: د/ سفر الحوالي (ص 532).
(5)         العلمانية: د/ سفر الحوالي (ص 534).
(6)         مجلة المجتمع ص 23 العدد 982
(7)         مجلة المجتمع ص 23 العدد 982
(8)         مجلة المجتمع ص 23 العدد 982
(9)   حقيقة العلاقة بين اليهود والنصارى وأثرها على العالم الإسلامي : أحمد محمد زايد : دار المعالي/ الأردن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق