الفصل الثاني: اليهود
تاسعا: مصادر الفكر اليهودي.
لليهود أو الإسرائيليين طبائع خاصة وصفات
منفردة تميزهم عن سائر البشر، لكي نُلم بها إلماما جيدا، لابد وأن نتعرف على
المصادر التي يستمد منها يهود الماضي، ويهود الحاضر أفكارهم وعقيدتهم ومذهبهم في
الحياة، والنهج الذي يسيرون عليه سواء في الماضي البعيد أو الحاضر القريب.
فالحركة الصهيونية استخدمت كل وسيلة ممكنة
لتحقيق أهدافها حتى الأدب العبري استخدمته كأحد أسلحتها لتحقيق أهدافها ، حيث نجد
أن الأدب الذي كان وما يزال وسيلة الإنسان لتنوير وتغيير حياته نحو الأفضل، وكشف
والتبشير بقيم إنسانية نبيلة، نجد أن تجربة الأدب العبري الحديث هي التجربة الأولى
من نوعها في التاريخ والتي تسير بخط معاكس، حيث يستخدم الفن بجميع أشكاله
ومستوياته للقيام بأكبر عملية تضليل وتزوير واستهانة بإنسانية الإنسان، سواء جاء
ذلك عبر تعبئة الفرد اليهودي بكل مشاعر الحقد والاحتقار للآخرين أو جاء ذلك عبر
تزوير التاريخ والمشاعر ونشر الخرافات والأساطير وتهديم جماليات الأشياء بما فيها
جماليات الفن نفسه، فقاد ذلك الى نتائج في منتهى الخطورة كان من أهمها عملية غسل
دماغ جماعي في كثير من دول العالم، لدعم الاغتصاب وتبرير الوجود اللاشرعي للكيان
الإسرائيلي في فلسطين ، وقام الأدب العبري الحديث بتنفيذ مهمة لم يقم بها أدب
غيره، فكان رأس الرمح في معركة طويلة، ابتدأت من زمن ولا زالت مستمرة تحارب في آن واحد
على جبهات متعددة تنطوي على متناقضات لا سبيل لحصرها أو حلها أو المواءمة فيما
بينها، ابتدأت من فراغ كلي يكتنف جميع المقولات والمفاهيم التي تشكلت عليها قاعدة
ادعاءاتها، عدا أنها تنهض على أساس غير خلقي ولا إنساني، لذلك حددت مهامها في
اتجاهين متوازيين :
- اتجاه يلغي واقعا ماديا قائما وهو وجود الشعب
العربي في فلسطين.
- اتجاه وهمي مفترض لا وجود له، باعتباره وجودا
فعليا قائما وهو الوجود اليهودي الاستيطاني الإحتلالي (1)
ويرى محللون ومختصون أن الوسائل التي
استعملها الفكر اليهودي- الصهيوني للوصول إلى أهدافه كثيرة، لكن من أهم الوسائل
توظيف التاريخ لخدمته وصولا إلى أغراض سياسية محددة، فالتاريخ بالنسبة لهذا الفكر
هو التوراة والديانة اليهودية ابنة هذا التاريخ، والديانة اليهودية والتاريخ
التوراتي هما عكازتا الحركة الصهيونية اللتان لولاهما لظلت تزحف على بطنها دون أن
تستطيع الوقوف والمشي (2)
وقد استمد الفكر اليهودي جانبا من فلسفته من التراث الديني اليهودي
الذي يقوم على أساس من عزل اليهودي عن غير اليهودي، و تم هذا العزل من خلال مجموعة
من المفاهيم الدينية التي فسرت تفسيرا عنصريا قوميا، ومن أهم هذه المفاهيم خصوصية
الإله وخصوصية العهد والاختيار الإلهي، وخصوصية الخلاص الإلهي (3)
وأدت الترجمة العنصرية للمفاهيم الدينية إلى تحويل اليهودية إلى ديانة
قومية خاصة والى تكوين صورة سلبية للآخر غير اليهودي تصل في قمتها إلى التعبير عن
الرغبة في دماره ، وأبادته لان الخلاص الخاص الذي يحققه الرب لجماعته الخاصة
يقابله دمار شامل لأعداء الرب ويمثل هؤلاء الأعداء بقية البشرية، فالبشر ينقسمون
إلى يهود وغير يهود، إلى أهل عهد مع الرب وبقية البشر ليسوا من أهل العهد، إلى
مختارين وغير مختارين ، وفي النهاية إلى مخلصين وغير مخلصين أو هالكين.
وقد انتقل هذا الفكر الديني ( القومي ) وفلسفته إلى الصهيونية الحديثة
وأصبح دعامة أساسية من دعائم الإستراتيجية الإسرائيلية بجوانبها العسكرية
والسياسية والثقافية، ومع أن الصهيونية الحديثة قامت ، غالبا ، على أكتاف اليهود
العلمانيين وان هذه الصهيونية كانت تمثل مرجعيتهم الأولى، فقد تم توظيف الرافد
التراثي الديني لخدمة المصالح القومية للصهيونية وبخاصة الجناح السياسي، وأداته
العسكرية، والذي لم يؤمن بالمعطيات التراثية الدينية لكنه وظفها لخدمة المشروع
الصهيوني وأهدافه ( القومية ) ..
والشيء الآخر الذي أود الإشارة إليه في نفس السياق، هو أن الفكر
اليهودي – الصهيوني وفلسفته هو وليد الفكر القومي الغربي وفلسفته، حيث نشأت
المشكلة اليهودية كرد فعل للاتجاهات القومية التي اكتسحت أوربا، وتم طرح التساؤل
القوي حول وضع اليهود داخل القوميات الأوربية فيما يشبه الاتفاق على التخلص من
اليهودي وتصدير المشكلة اليهودية إلى خارج أوربا وبداية التفكير في إنشاء وطن قومي
لليهود ..
ويقر برهان غليون بان: ( الصهيونية فشلت في تطبيع وضع اليهود، ولكنها
نقلت المسألة اليهودية من أوربا إلى المشرق العربي وقامت بإعادة إنتاج العلاقة
المتوترة والمتنافرة- تماما كما كانت هناك- عبر استبدال الأوربيين المسيحيين
بالعرب المسلمين )( 4).
لقد استخدمت الصهيونية النظريات العرقية الغربية لتبرير نقل اليهود
المنبوذين من أوربا وتبرير إبادة السكان الأصليين، وقد وضعت أوربا اليهود والغجر
في أدنى السلم العرقي عن أوربا، وبالنسبة للشعوب غير الأوربية فقد اعتبرتهم
النظرية الغربية متخلفين حضاريا وعرقيا، واختلقت ما سمي بعبء الرجل الأبيض والذي
يفرض عليه غزو الشعوب الأخرى لإدخالها في الحضارة ، وهكذا اخذ الفكر اليهودي-
الصهيوني بهذه النظرية العنصرية وطبّقها حرفيا في طرح برامج التعامل مع العرب ،
وبرر غزو فلسطين وطرد العرب منها أو إبادتهم بنفس النظرية التبريرية الاستعمارية،
وتكونت الرؤية اليهودية ( ببعديها الصهيوني والإسرائيلي ) للعربي الفلسطيني
وللعربي عموما من عنصرين :
الأول: يعتبر العربي عضوا في الشعوب الشرقية الملونة المتخلفة.
الثاني: يرى في العربي ممثلا للأغيار، ووفق هذه الرؤية، فان العربي
شخصية متخلفة يجب نقلها إلى المدنية والحضارة على يد الصهيونية التي ترى في
اليهودي عضوا في الحضارة الغربية منتميا إلى الجنس الأبيض وموضع القداسة، وقد عبرت
الكتابات الأدبية العبرية العديدة عن هذه النظرية الصهيونية ورؤيتها للعربي
المتخلف كمقابل لليهودي الأبيض، وقد وردت تعبيرات كثيرة لهذا التصور في كتابات
موسى هس وثيودور هرتزل وحاييم وايزمان وجابوتنسكي ودافيد بن غوريون وغيرهم (5) ..
فهذه المصادر هي التي تشكل الفكر اليهودي أو
العقيدة اليهودية، والتي منها تتشكل الشخصية اليهودية، وفي ضوءها تتحدد ملامح
العقلية اليهودية، والتي على أساسها يتصرف اليهودي ويتعامل مع أقرانه من اليهود أو
من غير اليهود، ودراسة هذه المصادر أو على الأقل الإلمام بها سيساعدنا في حُسن فهم
الشخصية اليهودية.
وباستقراء التاريخ يمكننا أن ندرك أن هؤلاء
اليهود قد استمدوا عقيدتهم التي بها يدينون، ومذهبهم الذي له يسلكون من خلال ثلاثة
مصادر رئيسية هي:
• العهد
القديم.
• التلمود.
• بروتوكولات
حكماء صهيون.
هذا ولسوف نعرض لكل مصدر من تلك المصادر في
شئ من الإيجاز بحيث يساعدنا ذلك العرض في فهم طبيعة ذلك الشعب وكيفية تفكيره
وأهدافه ووسائله لتحقيق تلك الأهداف وذلك على النحو التالي.
المصادر:
(1) حول فلسفة الفكر اليهودي: عبدالوهاب محمد
الجبوري عبدالوهاب محمد الجبوري باحث
ومترجم وأكاديمي عراقي
(2) جودت السعد ، أوهام التاريخ اليهودي ، عمان ، 1998 ، ص 7
(3) د . محمد خليفة حسن ، مجلة الكاتب العربي : مجلة فصلية تصدر عن
الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب / دمشق
– السنة العشرون - العدد 53 – أيلول / 2001 ، ص 32
(4) برهان غليون ، مصير الصهيونية بعد قرن من ولادتها ، مجلة شؤون
الأوسط ، العدد 75 1998 – ص 50
(5) د. عبدالوهاب المسيري ، موسوعة اليهود واليهودية ، القاهرة ، 1999
، ص 117