سادسا:البقرة
ميلودي عند اليهود:
تقول
التوراة المتداولة بين اليهود أن سليمان بني مكان للعبادة فوق هضبة موريا والتي
فيها الآن مبنى قبة الصخرة. وأنجزه حوالي 953 ق.م ويشار إلى هذا الجبل في الكتابات
الإنجليزية باسم جبل الهيكل: Temple mount .وسماه بيت يهوه ويهوه
هو لفظ يشير إلى الرب عز وجل، وتعارف اليهود على تسمية هذا المكان بيت هامكيداش
(ومعناه البيت المقدس) لأنه يحرم عندهم استخدام لفظ يهوه. ثم ترجم بيت المقدس إلى
اللغة اللاتينية باسم بيت العبادة أو معبد Temple. ثم تمت ترجمة Temple إلى العربية باسم هيكل سليمان أو الهيكل
الأول أو المعبد.
تذكر
روايات الكتب المقدسة أن نبوخذ نصر (الحاكم البابلي)هدم الهيكل بالكامل ولم يبق
حجراً على حجر وذلك عام 587 ق.م.
حسب
التوراة المتداولة بين اليهود فقد تم توسيع بناء الهيكل على يد ملك اليهود هيرودوس
عام 20 ق.م بمساعدة الرومان.
وهدم
الهيكل مرة أخرى على يد الرومان عام 70م ولم يبق للهيكل حجر على حجر كما تقول
كتبهم ، ودمروا القدس بأسرها وطمسوا كل أثر لليهود وطردوهم و بنوا مدينة رومانية
جديدة ومعابد رومانية في نفس المكان.
وحسب
الأحاديث النبوية الصحيحة فإن المسجد الأقصى موجود بحدوده منذ أيام آدم عليه
السلام. وإن سليمان عليه السلام جدد بناء بيت المقدس (المسجد الأقصى) ولكن لا نعرف
شكل هذا البناء. ونذكر أن بيت المقدس (المسجد الأقصى) هو كل الساحة المسورة وليس
فقط جزء منها.
عن
عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” لما فرغ سليمان بن داود من
بناء بيت المقدس سأل الله ثلاثا حكما يصادف حكمه وملكا لا ينبغي لأحد من بعده وألا
يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه”
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أما اثنتان فقد أعطيهما وأرجو أن يكون قد أعطي
الثالثة”.(صحيح رواه ابن ماجه والنسائي وأحمد).
ومنذ
دمار الهيكل على يد الرومان، وتشريد اليهود في بقاع الأرض فيما عُرف بالشتات، يعتقد
اليهود أنه في يوم ما سوف تولد بقرة لونها أحمر خالص وعند ظهور هذه البقرة الحمراء
يستطيعون بناء الهيكل أي هدم المسجد الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم على أنقاضه فهذه
البقرة الحمراء هي البقرة الوحيدة التي من خلالها يستطيعون دخول الهيكل حيث يزعم اليهود أن حائط البراق هو من بقايا
الهيكل الثاني ويسمونه “الحائط الغربي للهيكل الثاني – Western Wall”.
فإن
وجدوها يذبحوها ثم يحرقونا ويأخذوا رمادها ويقوموا بالتطهر به وبعدها يهدمون
المسجد الأقصى بكل جرأة ولا يهمهم شيء.
ففي
عقيدتهم أن كل اليهود مصابون (بدنس الموتى) لأن كل من زار المقابر أو شارك في
جنازة أو مر بقرب شخص متوفى فهو مصاب بهذا الدنس.
ويكون
التطهير لشعب إسرائيل من هذا الدنس عن طريق ما يسمى بماء الخطيئة، وهذا الماء هو
محلول من رماد بقرة حمراء حيث يتم حرقها بطقوس خاصة حتى تتحول إلى رماد يتم كنسه
بمكانس معينة وخلطه بالماء الطاهر ويغسل به جسد الشخص لتطهيره ولتطهير موقع الهيكل
المزعوم.
|
نموذج مصغر من الهيكل حسب التوراة المتداولة بين اليهود |
ومن
ثمة تتم عملية بناء الهيكل الثالث هو مصطلح ديني يهودي يشير إلى إعادة بناء الهيكل
في آخر الزمان قبل أو مع نزول المسيح عليه السلام. وهذا الهيكل الثالث لا بد أن
يُعاد بناؤه، وتقام شعائر تقديم القرابين مرة أخرى، فقد تمَ تدوين هذه الشعائر في
التلمود مع وصف دقيق للهيكل، ويتلو اليهود في صلواتهم اليومية أدعية من أجل إعادة
البناء.
من
أقوال رئيس وزراء دولة الاحتلال الأسبق بن غوريون المشهورة والتي تبين أهمية
الهيكل لليهود: “لا معنى لإسرائيل من دون القدس ولا معنى للقدس من دون الهيكل“.
في
حين يرى الحاخامات من التيارات اليهودية المركزية أن إعادة بناء الهيكل على جبل
الهيكل (أي في المسجد الأقصى) في الوقت الراهن أمر ممنوع، و لا يجوز زيارة المكان
لليهود حتى يتطهروا . أما الشرطة الإسرائيلية فتسمح لليهود بزيارة الحرم القدسي
كسياح، ولكنها تحظر أداء الشعائر فيه.
أما
بعض الجماعات الصهيونية المتطرفة – يهودية ومسيحية – (والمدعومة من حكومة الاحتلال
أو المتغاضي عنها) فتدعو إلى هدم المسجد الأقصى بمعالمه الإسلامية الحالية وبناء
بيت المقدس كما جاءت في توراتهم حيث يرون فيه خلاصهم وتحقيقاً لنبوءات في كتبهم.
ولهم محاولات عدة في هذا المجال، منها محاولة حرق الأقصى في 1969. وقد تزايدت
قوتهم وتأثيرهم في العقد الأخير.
وهنا
ندرك أن عدم إقدام اليهود على تدمير المسجد الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم ليس للخوف
من ردة فعل المسلمين، وإنما انتظارا للبقرة ميلودي التي ستحُرق ليتطهر برمادها
اليهود النجس اللذين لا يحق لهم دخول منطقة جبل الهيكل وإقامة شعائرهم إلا بعد
التطهر برماد البقرة الحمراء المزعومة.
لذا اقتضى الأمر استحداث بيئات وظروف
تستخرج تلك البقرة استخراجاً من بين ملايين البقر !! وهذا ما كان ؛ فمنذ عدة سنوات
، تعهد كاهن أمريكي يُدعى (كلايد لوت) ينتمي إلى جماعة (حركة الهيكل الثالث)
الإنجيلية الأصولية بأن يوقف جهوده للعثور على بقرة بالمواصفات الدقيقة الواردة في
العهد القديم، ونذر نفسه للمساعدة في أي مشروع يتعلق بإعادة تأهيل الهيكل للعبادة،
وقد جرت اتصالات ومقابلات عام 1989م بين هذا الكاهن وبين الحاخام الإسرائيلي
(حاييم ريتشمان) الذي يعمل في معهد (الهيكل المقدس) حيث اقترح ريتشمان فكرة إنشاء
مزرعة لإنتاج وتربية الأبقار من سلالة (ريدنفوس) الضاربة إلى الحمرة فاقتنع الكاهن
، وأنشأ بالفعل تلك المزرعة في ولاية ميسيسيبي الأمريكية وقد أنشأ هذا الكاهن فيما
بعد فرعاً لمزرعته في مدينة حيفا، تحسباً ليوم تولد فيه البقرة المنتظرة !
شعب
نجس؟! أم شعب مختار؟!:
من أعجب أمور اليهود، أنهم لا يزالون
يؤمنون عن يقين بأنهم (شعب الله المختار) حتى تقوم الساعة! والأعجب من ذلك أنهم
يعتقدون بالقدر نفسه من اليقين بأنهم شعب (نجس) منذ عشرات القرون، لماذا ؟! لأنهم
قارفوا نجاسات عديدة لا يمكن التطهر منها حسب شريعتهم إلا برماد البقر الأحمر، ضمن
طقوس لا تمارس إلا في الهيكل، وبما أن الهيكل غائب منذ ألفي عام ، وعقمت معه الأبقار أن يلدن
واحدة حمراء خالصة، فإن (النجاسة) ظلت ملازمة للشعب اليهودي بكامله.
جاء في توراتهم : في سفر العدد ـ
الإصحاح 19: "هذه هي الشريعة.. إذا مات إنسان في خيمة، فكل من دخل الخيمة وكل
من كان في الخيمة يكون نجساً... كل إناء مفتوح ليس عليه سداد بعصابة فإنه نجس، وكل
من مس على وجه الصحراء قتيلاً بالسيف أو ميتاً أو عظم إنسان أو قبراً يكون
نجساً.." "والذي مس ماء النجاسة يكون نجساً.. وكل ما مسه النجس يتنجس،
والنفس التي تُمس تكون نجسة"!!
فَمَنْ إذن من الشعب (المختار) بقي طاهراً؟!
المشكلة هنا تكمن في أنهم يعتقدون أن هذا النوع من النجاسة لا يزول إلا برماد
البقرة الموعودة في نهاية الألفية ، جاء في الموسوعة الدينية اليهودية: "إن
البقرة الحمراء يجب سحبها خارج القدس وبعد ذبحها يجب حرقها بكاملها بعد إضافة خشب
الأرز وأعشاب أخرى، ويشرف على هذه الطقوس
حاخام أو كاهن، ويستخدم الرماد في التطهر وطرد الأرواح الشريرة التي يمكن أن تنتقل
إلى اليهود من الموتى لو مسوا جثمانهم".
والدليل على تأصل عقيدة النجاسة لدى
الشعب المختار أن التلمود الذي وضعه الحاخامات تفسيراً للتوراة يدور سدسه تقريباً
حول كيفية التطهر من النجاسات ، ومن هنا جاءت فكرة أو نبوءة البقرة لتكون فاتحة
لعهد من الطهارة يستقبلون به عصراً من الأمجاد في حكم وتسيد العالم بملك من نسل
داؤد – عليه السلام -
نقلت صحيفة الرأي العام الكويتية عن
إحدى الصحف الإسرائيلية في (5 -3-1998م ) أن حواراً أجري مع واحد من أبرز
الحاخامات الإسرائيليين ويدعى (البويم) حول العديد من الأسئلة الحائرة الدائرة حول
البقرة ، فكان من ضمن الأسئلة:
هل تكفي بقرة واحدة لخمسة ملايين
يهودي ملوثين بالنجاسة ؟! فأجاب: " أجل ، ولسنوات كثيرة أيضاً، لقد دُوِّن في
التوراة أن البقرة الحمراء الأولى أعدت على عهد موسى ، أما الأبقار التالية فقد
أعدها عزرا ، فخلال فترة الهيكل الثاني أعدوا ثماني بقرات ، إذن فالعدد كله تسع
بقرات ، ونحن الآن في زمان البقرة العاشرة"
أما عن كيفية التخطيط العملي لهذه
(الطهارة) الجماعية، فهذا سؤال توجهت به صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية في (2-3-1998م)
إلى أحد الحاخامات الكبار فقال: "سنحرق البقرة قبالة موقع الهيكل من جهة
الشرق، وبالإمكان أن نضيف إليها بعض الأشجار، وبعد ذلك نخلط الرماد بعضه ببعض، ومن
ثم يتم وضع الرماد في أنابيب، وتوزع في أرجاء البلاد"!! هذه هي عقيدة الشعب
المختار للتخلص من النجاسة التي لازمته طوال حياته.
في عام 1920م ، وعندما بدأت المباحثات
بين الاتحاد الصهيوني والإنجليز من أجل التوصل إلى صيغة لتسليم فلسطين لليهود بعد
انتهاء الانتداب، كان من بين الموضوعات المطروحة للبحث: ملكية جبل الهيكل.
وطرح الجانب الإنجليزي في المباحثات
سؤالاً: هل هذا المطلب مطلب عاجل أم آجل ؟ وما مدى اجتماع الشعب اليهودي حول هذا
المطلب ؟!
فأجابهم الحاخام ( راف كوك ) قائلاً:
" يؤمن الشعب اليهودي كله إيماناً لا يتزعزع أن هذا المكان المقدس ، وكل جبل
الهيكل هو مكان العبادة الأبدي للشعب اليهودي ، ورغم أنه في حكم غيرنا الآن ، إلا
أنه في النهاية سيقع تحت أيدينا ، ويوم تقع أرض الهيكل في أيدينا ستأتي إشارة من
الرب ( البقرة الحمراء ) وبعدها نبدأ فوراً في البناء ؛ حيث تنبأ بذلك أنبياء بني
إسرائيل " والنبوءة التي أشار إليها الحاخام ، هي معنى ما ورد في الإصحاح
التاسع عشر من سفر العدد بالتوراة ، ونصها : ( وكلم الرب موسى وهارون قائلاً: هذه
فريضة الشريعة التي أمر بها الرب قائلاً : كلِّم بني إسرائيل أن يأخذوا إليك بقرة
حمراء صحيحة لا عيب فيها ولم يعْلُ عليها
نِيرٌ فتعطوها ( ألعازار ) الكاهن فتخرج خارج المحلة ، وتذبح قدامه ويأخذ ألعازار الكاهن دمها بإصبعه ، وينضح من
دمها في وجه خيمة الاجتماع سبع سنوات ويحرق البقرة أمام عينيه ، يحرق جلدها ولحمها
ودمها مع فرثها ، ويأخذ الكاهن خشب أرز وزوفاً وقرمزاً ، ويطرحهن وسط حريق البقرة
، ثم يغسل الكاهن ثيابه ... " ثم بيَّن النص السبب من ممارسة هذا الطقس :
( .. تكون البقرة لبني إسرائيل
وللغريب النازل في وسطهم فريضة دهريه ) .
ولكن : لماذا حوَّل اليهود تلك
(الفريضة) إلى نبوءة أو (إشارة) من الرب؟! في الواقع أنهم يربطون بين ذبح البقرة
الحمراء وبين إعادة بناء الهيكل ؛أو فالبقرة الحمراء ستكون دلالة عندهم على أن
الزمن الذي ظهرت فيه هو نفسه زمان الهيكل الثالث بعد إعادة بنائه
|
حسب الديانة اليهودية لا يسمح لليهود بدخول جبل بيت المقدس حتى يتم تطهيرهم برماد البقرة الحمراء |
ويعتقد اليهود المتدينون أنه قبل ألفي
عام مضت، في حقبة المملكتين اليهوديتين ، الأولى سامراء، والثانية يهوذا أنه تم
مزج رماد بقرة حمراء صغيرة ذبحت في عامها الثالث ، وخلط دمها بالماء ، واستخدم في
(تطهير) الشعب اليهودي ، ليصبح مهيأً للدخول
إلى الهيكل المقدس ، ويعتقدون أيضاً أنه لم تولد طوال التاريخ اليهودي بقرة
بتلك الأوصاف منذ دمر الهيكل الثاني عام 70 للميلاد ، وعلى حسب التاريخ الديني
اليهودي ، فإنه قد جرت التضحية ببقرة حمراء واحدة في زمن الهيكل الأول ، وبثماني
بقرات في زمن الهيكل الثاني.. واليوم ، يستعدون لمرحلة الهيكل (الثالث) وزمان
البقرة (العاشرة) .
فهذه البقرة مرتبطة ارتباطا وثيقا
بعلامات خروج المسيح الدجال قائد اليهود حيث يزعم اليهود أن هيكل سليمان موجود تحت
المسجد الأقصى وهو مع البقرة دليل على امتلاكهم لهذه الأرض التي اغتصبها المسلمون
منهم ويريدون إعادة بناء الهيكل من جديد رغم أن حفائرهم الأثرية منذ عشرات السنين
لم تجد للهيكل أي أثر تحت المسجد الأقصى ، فتكتموا على الأمر خشية الفضيحة وضياع
حلم إسرائيل بهذه الأرض. ولا يزالوا يصرون ويُكابرون ويُعاندون وفي كل يوم يخرجون
لنا ببدعة جديدة.
فمن المعروف تاريخيا وتوراتيا أن
بقرتهم الحمراء سوف تولد في فلسطين وعندما تولد هذه البقرة يأتي مسيحهم (الدجال)
أو ما يُطلق عليه (المُسيّا العسكري) الذي سوف يذبحها على أعتاب الهيكل الجديد
ليتطهر اليهود بدمائها قبل دخول الهيكل.
ظهور بقرة الباطل الحمراء:
في
شهر أكتوبر من عام 1996م ، تم الإعلان عن ميلاد بقرة حمراء مطابقة للمواصفات
الواردة في التوراة، وأنها ولدت في مزرعة ( كفار حسيديم ) وعلى الفور ذهب وفد من
الحاخامات لمعاينة حالة المولود المنتظر، ومقارنته بالأوصاف المذكورة في التوراة
ثم أعلنوا وقتها مطابقة المولودة للمواصفات بعد أن باركوها، وأمروا بفرض حراسة
مشددة حولها! { جريدة الأخبار المصرية ، 25 إبريل 1997م } .
وبعد
الإعلان عن العثور على البقرة ظهرت حالة من الهوس عند اليهود وأنصارهم من
البروتستانت المتهودين في أمريكا وبريطانيا، وتناولت وسائل الإعلام الحدث، فقد
نشرت صحيفة الأوبزرفر البريطانية في عددها الصادر في (9-7-1997) أخبار الحدث
قائلة: "سيكون الذبح الطقسي للبقرة الحمراء بعد ثلاث سنوات من ميلادها ،
بداية العد التنازلي للعودة الكبيرة لليهود
إلى موقع عبادتهم السابق ، وتبشيراً بمجيء المسيح المخلِّص، بيد أن محاولة
تحقيق هذه العودة ستؤدي إلى بداية لا تُنسى للألف الثالثة " !
لقد
توافد الآلاف من اليهود ( متدينين وغير متدينين ) إلى مزرعة (كفار حسيديم) في إسرائيل لمشاهدة هذا الكائن (الأسطوري) ولذا
لجأت الجهات اليهودية المهتمة بهذا الشأن إلى تنظيم الزيارات والرحلات لزيارة
البقرة!!
استغل
كبار زعماء الجماعات الدينية الفرصة السانحة لضخ الدماء في عروق التعصب، ونظروا
إلى البقرة التي أطلقوا عليها اسم (ميلودي) على أنها أحدث إشارة بدنو العصر
الأخير، وتوقع الكثيرون منهم أن تستخدم دماء تلك البقرة عينها في احتفالات (تطهير)
الشعب اليهودي ، الذي لا يمكن أن يمارس العبادة في الهيكل إلا بعد أن يتم تطهيره
برمادها وفقاً لقول التوراة التي بأيديهم: (كل من لم يتطهر فإنه ينجس مسكن الرب)
ابتهج
المتعصبون اليهود بولادة البقرة الحمراء ميلودي ومنهم اليهودي الأصولي المتعصب
(يهودا اتزيون) الذي كان متهماً رئيساً في محاولة تفجير قبة الصخرة عام 1985م حيث قال في جو تغمره البهجة والسرور : "إننا
ننتظر منذ ألفي سنة ظهور إشارة من الرب، والآن أرسل لنا البقرة الحمراء ، وظهورها
يعتبر أحد أهم الدلائل على أننا نعيش في زمن مميز، ولهذا فلا بد من الإسراع بإزالة
مسجدي الأقصى والصخرة من جبل الهيكل ، ونقل بقاياهما إلى مكة "! { السياسة
الكويتية ، 30-10-97 } .
كما
طالب زعماء الجماعات الدينية في إسرائيل إلى إلغاء الفتوى الحاخامية القديمة التي
تحظر على اليهود دخول ساحات المسجد الأقصى ووقعوا توصية بذلك في المؤتمر السابع
لحركة (إعادة بناء الهيكل).{الحياة، 16-9-1998م}.
|
مثال يبين طول عامود بيت المقدس حسب التوراة المتداولة بين اليهود |
وبالفعل،
قررت لجنة من 60 حاخاماً في شهر أغسطس من عام 1997م تجاوز الحظر الذي كان معمولاً
به، وشجعوا اليهود على الصعود إلى ما يسمونه (جبل الهيكل) حيث يوجد المسجد الأقصى
ومسجد الصخرة، واحتج هؤلاء بأن لديهم مسوغات كافية تجعل من حق اليهود أن يصعدوا
إلى هناك لكي يتسنى لهم البدء في الاستعدادات الخاصة بإعادة بناء الهيكل وقال
المتحدث باسمهم: "إن الحظر العام على الصعود لم يكن يأخذ في اعتباره في
السابق الاكتشافات الأخيرة، وأبرزها اكتشاف البقرة الحمراء، ونحن الآن بانتظار
الخلاص، وإعادة بناء الهيكل التي يجب أن تبدأ بسرعة في أيامنا هذه". {الأنباء
الكويتية، 9-7-1997م}.
وبدأت
مجموعة من الحاخامات منذ سنوات في دعوة عائلات الكهان لإرسال أولادهم لكي يتم
إعدادهم في حجْر العزل الطاهر ليكونوا جاهزين للعمل في الطقوس المتعلقة بالبقرة
واستجابت أربع عائلات كهنوتية للتبرع بأولادها من أجل هذا الغرض . { الرأي العام ،
5-3-1998م } .
وبدأ
الحاخامات منذ فترة - بالاتفاق مع الجهات الحكومية - بتحصيل نسبة 1% من مجموع الإنتاج داخل إسرائيل ، ليوضع في حساب
(خدمات الهيكل) الذي دخلت مهماته مرحلة التنفيذ بظهور البقرة ، وتحصيل هذه النسبة
يجري الآن وفقاً لتشريع ديني يقضي بأن يقدم الشعب اليهودي عُشر العشر ليوقَف على
الهيكل ، وقد وُضِعَ عنوان خاص لاستقبال تلك الإسهامات وتنظيم إنفاقها على
المشاريع المتعلقة بالهيكل .
وقد
علق ( مناحيم فريندمان ) الخبير في الشؤون
الدينية في جامعة ( بارابلان ) على حالة الحماس الديني بين الجماعات اليهودية التي
ترتبت على وجود البقرة الحمراء بقوله : ( إن ولادة هذا الحيوان الطارئة ، أوجدت
حالة من الحساسية في إسرائيل ؛ إذ أصبح الناس يبحثون في أمر هذه العلامة ويتحدثون
عنها بدقة ) . { السياسة ، 30-10-1997م } .
استغل
السياسيون في إسرائيل ذلك الحدث ، لتحقيق أغراض سياسية وحزبية، مستغلين تصاعد المد
الديني في إسرائيل وربط كثيرون بين ظهور
البقرة وظهور نتنياهو ، الذي تُوجت في عهده أنشطة الجناح الديني في السياسة
الإسرائيلية .
دأبت
المؤسسة الدينية التي اعتبرت فوز نتنياهو انتصاراً للمتدينين وهزيمة للعلمانيين
على تدعيم موقفه بعد الإعلان عن ظهور البقرة ، ونظر البعض منهم إليه على أنه يتبوأ
منزلة ( ملِك ) من ملوك إسرائيل التاريخيين ، ومن ثمة فهو يتمتع بـالعصمة الدينية
، التي تجعل معارضيه كأنهم معارضين للتوراة ، و أن عهد نتنياهو سيستمر في السلطة
حتى العام 2000م على الأقل وهو العام المرتب له أن يكون عام التطهير حسب تاريخ
ميلاد البقرة ميلودي.
|
نتنياهو يتصفح مخطوطة قديمة من التوراة جلبها يهود اليمن |
وفجأة
أوردت صحيفة معاريف الإسرائيلية الصادرة في (29-10-1997م) عن الحاخام ( شمار ياشوف
) تصريحاً أدلى به من المزرعة التي تقيم فيها ( ميلودي ) قال فيه : " قد لا
تكون هذه البقرة هي الحقيقية بسبب بعض الشوائب " ! وأخرج الحاخام عدسة مكبرة،
ولاطف البقرة ، وصوَّب العدسة نحو ذيلها وقال: " انظروا.. هنا تجدون بعض
الشعيرات البيضاء " ! ثم اتجه إلى رأسها ، وصوَّب النظر نحو عينيها وقال:
" لاحظوا.. إن رموشها ـ تبدأ حمراء ـ
وتنتهي سوداء " !،
كما
نقلت الأوبرزفر في 9-7-1997م تصريحات الناشط الصهيوني: يهودا اتزيون التي قلل فيها
من شأن تلك التحفظات التي أبداها الحاخام المذكور، وسارع إلى طمأنة القلقين وقال:
" هذه الشعيرات التي شوهدت ستختفي بمضي الوقت ، وحتى إذا لم تختفِ فإن الكتاب
المقدس يقول : إن شعرات قليلة لا تنفي الطبيعة المقدسة للبقرة إذا كانت كلها حمراء
".
تقول
التوراة أن التاريخ لم يشهد سوى ميلاد ( تسعة ) أبقار حمراء فقط تتماشى مع
المتطلبات والمقاييس الواردة في كتاب الأرقام الذي يقضي بضرورة التضحية بهذه البقرة، ذبحها وحرقها تماماً حتى تتحول إلى
رماد، وحين تظهر البقرة الحمراء العاشرة
تكـون الأرض على مـوعد مع قدوم المسيح وتزعم أساطير اليهود أن ذلك لن يحدث إلا حين
يقوم اليهود بإقامة الهيكل الثالث ( المزعوم ) فوق جبل المعبد ، أو جبل الرب ،
الذي لا مكان له إلا فوق أطلال الحرم الشريف في المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة.
ولا
ينبغي إغفال ما يردده موقع الإنترنت لتبشير الكنيسة الإنجيلية الأمريكية ـ التطرف
المسيحي الصهيوني – حيث يؤكد أن البقرة الحمراء جزء من الجدول الزمني الذي يتحرك
في اتجاه النهاية..نهاية الزمن وعودة المسيح.
بقرة الحق وبقرة الباطل:
قال
تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ
تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ
أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}.. [البقرة : 67].
يقول
الشيخ الشعراوي – رحمه -:
نلاحظ
هنا أن الله سبحانه وتعالى أتى بحرف: (وإذ).. يعني واذكروا: {وَإِذْ قَالَ موسى
لِقَوْمِهِ إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً}.. ولم يقل لماذا
أمرهم بأن يذبحوا البقرة.. ولابد أن نقرأ الآيات إلى آخر القصة لنعرف السبب في
قوله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فادارأتم فِيهَا والله مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ
تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضربوه بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي الله الموتى
وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.. [البقرة : 72-73].
والمفروض
في كل الأمور أن الأمر تسبقه علته.. ولكن هذه عظمة القرآن الكريم.. لأن السؤال عن
العلة أولا معناه أن الأمر صادر من مساو لك.. فإذا قال لك إنسان افعل كذا.. تسأله
لماذا حتى أطيع الأمر وأنفذه.. إذن الأمر من المساوي هو الذي تسأل عن علته.. ولكن
الأمر من غير المساوي.. كأمر الأب لإبنه والطبيب لمريضه والقائد لجنوده.. مثل هذا
الأمر لا يسأل عن علته قبل تنفيذه.. لأن الذي أصدره أحكم من الذي صدر إليه الأمر..
ولو أن كل مكلف من الله أقبل على الأمر يسأل عن علته أولا.. فيكون قد فعل الأمر
بعلته. فكأنه قد فعله من أجل العلة.. ومن هنا يزول الإيمان.. ويستوي أن يكون
الإنسان مؤمنا أو غير مؤمن.. ويكون تنفيذ الأمر بلا ثواب من الله.
إن
الإيمان يجعل المؤمن يتلقى الأمر من الله طائعا.. عرف علته أو لم يعرف.. ويقوم
بتنفيذه لأنه صادر من الله.. ولذلك فإن تنفيذ أي أمر إيماني يتم لأن الأمر صادر من
الله.. وكل تكليف يأتي.. علة حدوثه هي الإيمان بالله.. ولذلك فإن الحق سبحانه
وتعالى يبدأ كل تكليف بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الذين آمنوا}.. أي يا من آمنت
بالله ربا وإلها وخالقا.. خذ عن الله وافعل لأنك آمنت بمن أمرك.
في
هذه الآيات التي نحن بصددها أراد الله تعالى أن يبين لنا ذلك. فجاء بالأمر بذبح
البقرة أولا.. وبالعلة في الآيات التي روت لنا علة القصة.. وأنت حين تعبد الله فكل
ما تفعله هو طاعة لله سبحانه وتعالى.. سواء عرفت العلة أو لم تعرفها؛ فأنت تؤدي
الصلاة لأن الله تبارك وتعالى أمرك بأن تصلي.. فلو أديت الصلاة على أنها رياضة أو
أنها وسيلة للاستيقاظ المبكر.. أو أنها حركات لازمة لليونة المفاصل فإن صلاتك تكون
بلا ثواب ولا أجر.. إن أردت الرياضة فاذهب إلى أحد النوادي وليدربك أحد المدربين
لتكون الرياضة على أصولها.
وأن
أردت اللياقة البدنية فهناك ألف طريقة لذلك.. وإن أردت عبادة الله كما أمرك الله
فلتكن صلاتك التي فرضها الله عليك لأن الله فرضها.. وكذلك كل العبادات الأخرى.
الصوم
ليس شعورا بإحساس الجائع.. ولا هو طريقة لعمل الرجيم ولكنه عباده.. إن لم تصم
تنفيذا لأمر الله بالصوم فلا ثواب لك.. وإن جعلت للصيام أي سبب إلا العبادة فإنه
صيام لا يقبله الله.. والله أغنى الشركاء عن الشرك.. فمن أشرك معه أحدا ترك الله
عمله لمن أشركه.. وكذلك كل العبادات.
هذا
هو المفهوم الإيماني الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن يلفتنا إليه في قصة بقرة بني
إسرائيل.. ولذلك لم يأت بالعلة أو السبب أولا.. بل أتى بالقصة ثم أخبرنا سبحانه في
آخرها عن السبب.. وسواء أخبرنا الله عن السبب أو لم يخبرنا فهذا لا يغير في
إيماننا بحقيقة ما حدث.. وإن القصة لها حكمة وإن خفيت علينا فهي موجودة.
قوله
تعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً}.. أعطى الله تبارك
وتعالى الأمر أولا ليختبر قوة إيمان بني إسرائيل.. ومدى قيامهم بتنفيذ التكليف دون
تلكؤ أو تمهل.. ولكنهم بدلا من أن يفعلوا ذلك أخذوا في المساومة والتباطؤ: {وَإِذْ
قَالَ موسى لِقَوْمِهِ}.. كلمة قوم تطلق على الرجال فقط.. ولذلك يقول القرآن
الكريم: {ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عسى أَن
يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عسى أَن يَكُنَّ
خَيْراً مِّنْهُنَّ}.. [الحجرات: 11].
إذن
قوم هم الرجال.. لأنهم يقومون على شئون أسرهم ونسائهم.. ولذلك يقول الشاعر العربي:
وما
أدري ولست أخال أدري *** أَقَوْمٌ آل حصنٍ أم نساءُ
فالقوامة
للرجال.. والمرأة حياتها مبنية على الستر في بيتها.. والرجال يقومون لها بما تحتاج
إليه من شئون.. والمفروض أن المرأة سكن لزوجها وبيتها وأولادها وهي في هذا لها
مهمة أكبر من مهمة الرجال.. قوله تعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ}.. الأمر طلب
فعل. وإذا كان الآمر أعلى من المأمور نسميه أمرا.. وإذا كان مساويا له نسميه التماسا..
وإذا كان إلى أعلى نسميه رجاء ودعاء.. على أننا لابد أن نلتفت إلى قوله تعالى على
لسان زكريا: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن
لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً}.. [آل عمران : 38].
هل
هذا أمر من زكريا؟ طبعا لا. لأنه دعاء والدعاء رجاء من الأدنى إلى الأعلى.. قوله
تعالى: {الله يَأْمُرُكُمْ}.. لو أن إنسانا يعقل أدنى عقل ثم يطلب منه أن يذبح
بقرة.. أهذه تحتاج إلى إيضاح؟ لو كانوا ذبحوا بقرة لكان كل شيء قد تم دون أي جهد.
فمادام
الله قد طلب منهم أن يذبحوا بقرة.. فكل ما عليهم هو التنفيذ.
ولكن
أنظر إلى الغباء حتى في السؤال.. إنهم يريدون أن يفعلوا أي شيء لإبطال التكليف..
لقد قالوا لموسى نبيهم إنك تهزأ بنا.. أي أنهم استنكروا أن يكلفهم الله تبارك
وتعالى بذبح بقرة على إطلاقها دون تحديد.. فاتهموا موسى أنه يهزأ بهم.. كأنهم يرون
أن المسألة صعبة على الله سبحانه وتعالى.. لا يمكن أن تحل بمجرد ذبح بقرة.. وعندما
سمع موسى كلامهم ذهل.. فهل هناك نبي يهزأ بتكليف من تكليفات الله تبارك وتعالى..
أينقل نبي الله لهم أمرا من أوامر الله جل جلاله على سبيل الهزل؟
هنا
عرف موسى أن هؤلاء اليهود هم جاهلون.. جاهلون بربهم وبرسولهم وجاهلون بآخرتهم..
وأنهم يحاولون أن يأخذوا كل شيء بمقاييسهم وليس بمقاييس الله سبحانه وتعالى..
فاتجه إلى السماء يستعيذ بالله من هؤلاء الجاهلين.. الذين يأتيهم اليسر فيريدونه
عسرا. ويأتيهم السهل فيريدونه صعبا.. ويطلبون من الله أن يعنتهم وأن يشدد عليهم
وأن يجعل كل شيء في حياتهم صعبا وشاقا.
ومن
ثمة كان التضييق عليهم فقال تعالى:
(قَالُواْ
ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنَ لَّنَا مَا هِي قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا
بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُواْ مَا
تُؤْمَرونَ * قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ
إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ
النَّاظِرِينَ * قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِىَ إِنَّ
البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ اللّه لَمُهْتَدُونَ * قَالَ
إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأرض وَلاَ تَسْقِي
الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ
فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ * وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَرَأْتُمْ
فِيهَا وَاللّه مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ
بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللّه الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ)(67ـ73).
يقول
السيّد محمّد حسين فضل الله:
في
هذه الآيات، قصة مثيرة من قصص بني إسرائيل، وذلك من جهتين؛ فهي من جهة تشتمل على
جانب من الإعجاز، من حيث إحياء اللّه الميت القتيل الذي انطلقت القصة في أجواء
الخلاف في قاتله؛ وهي من جهة ثانية تشتمل على صورة مجتمع بني إسرائيل من الداخل،
وتوضح لنا الطريقة التي يواجه بها أفراده الأوامر الصادرة من موسى إليهم، مما يوحي
بطبيعة المشاغبة التي تجعلهم يواجهون القضايا من موقع التعقيد، لا من موقع
البساطة، فيحوّلون مهمة النبيّ في قيادته الفكرية والعملية إلى مهمّة صعبة، لأنَّ
هناك فرقاً في حركة القيادة، بين قيادة تتحرّك في جمهور يطيع الأوامر كما ترد في
صيغة الأمر، وبين قيادة يقف جمهورها ليسأل عن كلّ صغيرة أو كبيرة من دون أن يكون
ذلك داخلاً في حساب مسؤوليته، فإنَّ ذلك يعطّل الحركة وينذر بالهزيمة في أصعب
المواقف وأكثرها تعقيداً عندما تكون بحاجة إلى الحسم والتحرّك السريع.
ولا
بُدَّ لنا من وقفةٍ أمام هذا الحوار بين موسى وبين قومه، لنستجلي بعض خصائصه
الموضوعية، فقد طلب منهم ـ باسم اللّه ـ أن يذبحوا بقرة، فاستغربوا الطلب، لأنهم
لم يفهموا علاقته بالقضية المتنازع عليها ـ أو هكذا حاولوا أن يصوّروا الموضوع ـ
فاعتبروا ذلك هزءاً وسخرية بهم من موسى، فدلّلوا على أنهم لا يعرفون مقام النبوّة
ولا شخصية النبيّ بأبعادها الروحية التي تمنعه من أن يوجّه إليهم طلباً باسم اللّه
على سبيل العبث والسخرية بهم، فإنَّ ذلك يعتبر إساءةً للّه باستخدام اسمه في هذا
المقام وبالكذب عليه، لأنه يخبرهم بأنَّ اللّه يأمرهم بذلك من دون أساس.
وعادوا
من جديد إلى المشاغبة، ولكن من موقع اتهامه بأنه يحمل أمراً مبهماً لا وضوح فيه،
فسألوه عن حقيقة البقرة، وقد كان بإمكانهم أن يأخذوا بإطلاق الكلمة في مقام البيان
ـ كما يقول الأصوليون ـ {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنَ لَّنَا مَا هِىَ}
. وبدأ الموقف يتجه اتجاهاً آخر يشبه العقوبة ومواجهة التحدّي بمثله، فتحوّل
الجواب إلى التضييق عليهم بفرض قيود لم تكن داخلةً في حساب التشريع في ذاته...
{قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ} إنها بقرة لا هرمة،
{وَلاَ بِكْرٌ} صغيرة، ] عَوَانٌ بَيْنَ ذلِكَ[ وسط بين ذلك، وهي أقوى ما يكون،
{فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ} واستجيبوا لهذا الأمر الإلهي في حدوده الجديدة، ما
يعني أنَّ القضية لا تحتاج إلى سؤال جديد، فبإمكانهم أن يكتفوا بما ذكر لأنه لم
يذكر لهم زيادة في التفاصيل، وأن يسكتوا عمّا سكت اللّه عنه، لأنَّ اللّه لا يحاسب
العباد إلاَّ على ما يبيّنه لهم، فلا عقاب بلا بيان.
ولكنَّهم
لم يكتفوا بذلك، بل عادوا يثيرون كلّ ما يتصوّرونه من خصائص البقر ممّا يمكن أن
يقع موضعاً للسؤال {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَ}
لأنَّ ألوان البقر تتعدّد، فهل يفرض علينا اللّه لوناً معيناً لنلتزم به، لأنك لم
تحدّد لنا ذلك. وجاء الجواب الثاني ليحدّد ويضيِّق، ردّاً على هذا الفضول الذي لا
معنى له؛ {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا
تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} ... وعاد السؤال من جديد، فهم لا يعرفون كيف يحصلون عليها
لأنَّ أنواع البقر تتشابه، فلا يملكون الحصول على المطلوب المحدّد، فطلبوا الصفات
التي يمكن أن يجدوها بسهولة، على الطبيعة، {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن
لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَ} في خصائصها وصفاتها الواضحة
التي تجعلها أكثر وضوحاً، وكأنهم شعروا بأنهم قد ذهبوا بعيداً في هذا المجال،
فابتعدوا عن الخطّ في هذا الإلحاح الفضولي الذي لا يتناسب مع موقفهم من النبيّ كما
لا ينسجم مع طبيعة المسؤولية، فوعدوه بأنهم سيسلكون طريق الهدى في نهاية المطاف؛
{وَإِنَّآ إِن شَآءَ اللّه لَمُهْتَدُونَ} بالهدى الذي ترشدنا إليه في حدود
المسؤولية المتصلة بالواقع العملي للطاعة في انقيادنا لأوامر اللّه.
وجاء
الجواب أكثر تحديداً وتضييقاً {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ
ذَلُولٌ تُثِيرُ الأرْضَ} ، لم يذللّها العمل بإثارة الأرض بأظلافها، ] وَلاَ
تَسْقِى الْحَرْثَ[ لا يستقى عليها الماء للزرع، {مُسَلَّمَةٌ} من العيوب، {لاَّ
شِيَةَ فِيهَ} لا علامات فيها تخالف لون جلدها. {قَالُواْ الآنَ جِئْتَ
بِالْحَقِّ} فإنَّ هذه الأوصاف المتعدّدة تضعنا في موقع الوضوح الذي لا مجال فيه
للحيرة والاشتباه.. ولم يملكوا سؤالاً جديداً، {فَذَبَحُوهَ} لأنهم لا يجدون حجة
على الامتناع {وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} لأنهم لا يعيشون في أنفسهم روح الطاعة
والانقياد.
إخواني
تلك هي بقرة الحق التي أُمر اليهود بذبحها بقرة صفراء فاقع لونها، وليست بقرة
الباطل الحمراء التي يروجون لها، والتي يطمحون من خلال حرقها أن تكون بداية الطريق
الذي يوصلهم لحكم وتسيد العالم.
هكذا تلاعب الشيطان باليهود مثلما
تلاعب بهم في شأن انتظار نبي خاص بهم من نسل داود، فجعلهم يكفرون بعيسى – عليه
السلام - ويكفرون بمحمد – صلى الله عليه وسلم - مصرين على انتظار هذا النبي
الموعود،قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: (ومن تلاعبه بهم ـ يعني اليهود ـ أنهم
ينتظرون قائماً من ولد داود النبي ، إذا حرك شفتيه بالدعاء ، مات جميع الأمم ، وأن
هذا المنتظر بزعمهم هو المسيح الذي وُعِدوا به ، وهـم في الحقيقة إنما ينتظرون
مسيح الضلالة الدجال، فهم أكثر أتباعه .
وفي النهاية تبقى الأسئلة المثيرة للجدل:
-
هل بقرة اليهود الحمراء سترى النور بمعجزة إلهية من غير تدخل البشر كما يقول
حاخاماتهم، أم أنها هي صنيعة اليد اليهودية في مختبرات ومزارع العبث الجيني؟!
-
كيف يعتقد اليهود بكل جرأة أنهم شعب الله المختار وأن باقي الأمم من العبيد
الجوييم وفي نفس الوقت يعتقدون أنهم شعب نجس من قديم الزمان لا يحق لهم دخول جبل
الهيكل حتى يتطهروا برماد البقرة
وبنفس
حالة التناقض التي تعتري كل حياتهم كيف يجيزون لأنفسهم دخول المسجد الأقصى الذي
يسمونه جبل الهيكل وهم لم يتم تطهيرهم بعد ؟؟!!
وأخيرا لم يبقى أمامنا غير عرض هذه الصور
|
هذه هي البقرة الحمراء ( ميلودي ...( و التي ولدت في شمال فلسطين ويعتقد اليهود أن ميلادها هو علامة من الرب - بأنه قد حان الوقت لبناء الهيكل و أن رماد هذه البقرة سيطهر شعب إسرائيل تمهيدا لهم لدخول الهيكل.
|
|
هذه هي البقرة الحمراء ( ميلودي ...( و التي ولدت في شمال فلسطين ويعتقد اليهود أن ميلادها هو علامة من الرب - بأنه قد حان الوقت لبناء الهيكل و أن رماد هذه البقرة سيطهر شعب إسرائيل تمهيدا لهم لدخول الهيكل.
هذه الأقداح الذهبية تم صنعها لتستعمل في عيد طهارة الماء
الزي الخاص بالرهبان عند ظهور البقرة ميلودي وأقامه الطقوس عليها
قرون ثور , واحد منهم ذهبي ينفخ الكهنة فيه في أعيادهم ... و الثاني فضي ينفخون فيه ليعلنوا وقت صيامهم
المعول الفضي ... و هو ما سيستخدمه الكهنة في إزالة رماد القرابين من المذبح
قيثارة تم صنعها للمعبد حسب الوصف التوراتي لها22 وتر على عدد الحروف العبرية الأبجدية
|
إناء الطهارة ... و حق أن نقول إناء النجاسة .
الأختام المقدسة ... و التي تميز أي القرابين سوف تذبح .
صورة للمذبح
الذهبي محاط بالأبواق الفضية و التي يعزفونها في عدة مواسم
السكينين الذهبي و الفضي هما الذين سيستعملهما الكهنة في ذبح البقرة ميلودي
هذا مجسم تم اعداده لشكل الهيكل
مراسم تدريب الكهنة الأطفال على الطهارة من خلال حرق البقرة الحمراء بالصور:
1ـ تدريب الأطفال الكهنة على الطهارة – توضيح أول
2 ـ تدريب الأطفال الكهنة على الطهارة – توضيح ثان
3 ـ تجمع الأطفال الكهنة حول الثور الذبيحة بجوار ماء الطهارة
4 ـ جسر خاص يربط بين المحرقة والمعبد
5 ـ تجهيز الذبيحة ويرى في الصورة أحد الكهنة ممسكا بيده نبات الهايسوب (الزوفا) والأخر بيده شعلة ليقوم بالحرق وذلك بعد تمام عملية الذبح.
6 ـ بدء مراسم الذبح
7 ـ خلط رماد البقرة في الماء النقي
8 ـ نشر زهور الزوفا مع الخليط
9 ـ رش المياه مع الهايسوب(الزوفا)
10 ـ هذا هو نبات الهايسوب Hyssop (الزوفا)
11 ـ زهرة الزوفا
12 ـ صوف قرمزي مصبوغ مع شاني
13 ـ رمي نبات الأَرْز ونبات الزوفا والصوف القرمزي على النار